منهم أن إقبالهم إليه من رأس النفس ليس من حقيقة إيمانهم بالله ، فأمر صفيه أن قل لهم : إنما تجدون من الأسباب من العرش إلى الثرى لا يكون إلا من عند الله السبب والمسبب ؛ لأنه سبب الأسباب والمسبب ، ولو كنتم على رؤية التحقيق ترون الأكوان قائمة بالله وزاد في توبيخهم بقوله تعالى : (لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي : ليس بهم في قلة إدراكهم أنبائي وقلة معرفتهم بوحدانيتي حيث يكونون ثنويين إلا إدراك خذلاني إياهم. قال النصر آبادي : الكل منه ومن عنده ، ولكن لا تطيب ما منه وما عنده إلا بما به وبما له.
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٨١))
قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) الحسنة الطاعة ، والحسنة المحبة ، والحسنة المعرفة ، فأشار إلى هذه الحسنات أنها تفضل منه لا من كسب العبد ؛ لأنه تعالى واهب هذه المراتب بلا علة ولا شفاعة (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) [المائدة : ٥٤] ، وهو أهل الفضل والعطاء ، والسيئة معصية الله ، وذلك صفة النفس الأمارة ، نزّه نفسه تعالى من مباشرة المستقبحات ، أي : كل حسنة ترجع إلى مشاهدتي ، وأنا حسنة أوليائي ، فمن مشاهدتي تصدر حسنات تجليائي ، وكل سيئة ومعصية فتصدر من النفس الأمارة التي خلقتها وما فيها ؛ لأني مباشرها وأنا خالقها أنا منزّه عن مباشرة شيء بذاتي.
قال محمد بن علي : أجل الحسنات والنعم عليك في أن عرفك نفسه ووفّقك لتشكر نعمه ، وألهمك ذكره.
وقيل في قوله : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) باتباع هواها ، وتركها رضا مولاها ، وهي من النفس الأمّارة بالسوء.
واستدل القدرية بهذه الآية على مذهبهم ؛ حيث أضافوا القدرة إلى النفس ، قال عليه