يغفر الله ما سبق منهم بإيوائهم إلى قربه ، فإنه مولاهم وصاحبهم لا غير (١).
وذلك قوله : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) وأيضا فيها إشارة إلى عشاق الله الذين استغرقوا في بحار العشق والشوق ، واحترقوا بلوائح نيران الكبرياء ، وبغتة سطوات العظمة ، فيطلبون روح الأنس بالاستراحة في مشاهدة المستحسنات ، ويرتادون مشاهدة عروس القدم في مقام الالتباس ، وعين الجمع الذي فيه رؤية الحق في مرآة الخلق ، وذلك الالتباس فاحشة منهم ؛ لأنه في طلب القدم مع رؤية الحدث ، وليس لهذا الشرط تجريد حقيقة العشق ، وإذا كانوا محترقين بنيران التوحيد والتفريد في رؤية الأزل والأبد والقدم والبقاء يطلبون النزول من مقام التوحيد إلى مقام العشق ، وهذا ظلم منهم علي أنفسهم ؛ لأنهم نقصوا حظ التوحيد بفرارهم من الفناء في التوحيد إلى بقائهم في العشق ، وقوله : (ذَكَرُوا اللهَ) أي : إذا كانوا مدركين أنفسهم في مقام المكر والاستدراج ، وفقدانهم أسرار مقام الفناء ودرجاته ، يفزعون بالكلية إلى كلية الحق ، جلّ عن الخواطر والضمائر ؛ لأنّ قوله تعالى : (ذَكَرُوا اللهَ) لم يقل ذكروا اسمه أو نعته أو صفته منه أو فعلا منه بل (ذَكَرُوا اللهَ) أي : فنوا في الفرار منه إليه في صرف الألوهية برؤية الذات والصفات ، يدركهم الحق بانكشاف ما استأثر من نفسه لنفسه ، أو لأهل دنو دنوه الذين بقوا في الفناء وفنوا في البقاء ، لهم خاصية واصطفائية ، وأيضا فيها إشارة إلى أصحاب المواجيد والوقائع والمكاشفات الذين عادتهم السلوك في المعاملات من الطاعات والرياضات ، فإذا ورد عليهم وارد وتضييق وقت وظائفهم ، يرجعون إلى أداء الورد ، وهذا سوء أدب.
كما سئل الجريري في ذلك قال : هذا سوء أدب ، وهذا فاحشة منهم النزول من الربوبية إلى المعبودية ، والظلم تركهم مقام الوصال ، واختيارهم وسائط الأحوال ، ذكروا الله بعد تغير
__________________
(١) قيل : أهل مقام الإحسان عملهم قلبي ، كالسخاء والعفو وكظم الغيظ ، وأهل اليمين عملهم بدني ، بين طاعة ومعصية وغفلة ويقظة ، إذا فعلوا فاحشة تابوا واستغفروا ، وإذا فعلوا طاعة فرحوا واستبشروا ، أهل مقام الإحسان غائبون عن رؤية أعمالهم ووجودهم ، وأهل اليمين معتمدون على أعمالهم ، إذا فعلوا طاعة قوى رجاؤهم ، وإذا زلّوا نقص رجاؤهم ، أهل مقام الإحسان فانون عن أنفسهم باقون بربهم ، وأهل اليمين أنفسهم موجودة وأعمالهم لديهم مشهودة ، أهل مقام الإحسان محبوبون ، وأهل اليمين محبّون ، أهل مقام الإحسان فنيت عندهم الرسول والأشكال ، وبقي في نظرهم وجود الكبير المتعال ، وأهل اليمين : الأكوان عندهم موجودة ، وشموس المعارف عن قلوبهم مفقودة ، أهل مقام الإحسان يعبدون الله على نعت الشهود والعيان ، وأهل اليمين يعبدون الله من وراء حجاب الدليل والبرهان ، أهل الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان. انظر : البحر المديد (١ / ٣٣٧).