تعالى : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ).
ثم إنّ الله سبحانه أدب نبيه صلىاللهعليهوسلم هاهنا بأحسن الأدب بشيئين : أحدهما ، أنه أهل الكرم والرحمة من العرش إلى الثرى ؛ حيث وصفه الله بكمال الرحمة بقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٧] أي : أرحم من حيث أنت على أمتك ، ولا تدع عليهم.
والثاني : ألبسه خلقه تعالى ؛ لأن من صفته وخلقه الرحمة على الجمهور ، وأعلمه الأسوة بالأنبياء والمرسلين خصّ منهم إبراهيم عليهالسلام وعيسى عليهالسلام بقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم : ٣٦] ، وقال عيسى عليهالسلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة : ١١٨].
وقال النوري في قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) : ولكن الأمر كله إليك ، فإن لك الأمر فالأمر كله إليك ، وليس لك منه شيء ، جلّ قدرتك أن تلاحظ غير الحق فيما بعدي وتعيد.
(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥))
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) في الآية إشارة عجيبة لطيفة ، وأنها وضوح عيان الحق سبحانه ، حقائق الآية أنّ النار لم تعد للمؤمنين ، ولم تخلق لهم ، لقوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) فإذا كانت للكافرين لم تخلق للمؤمنين ، لكن خوف المؤمنين بها زجرا وعظة ، كالأب البار المشفق على ولده الذي خوف ولده بالأسد أو بالسيف وإن لم يضربه بالسيف ، ولا يلقيه عند الأسد ، فبقي الأمران لهذه الآية تلطف وشفقة على عبادة المؤمنين الصادقين ، وأعجب من ذلك أنّه تعالى خوفهم بالنار ، والنار للغير ، ومقصوده تجلي القهر من عظمته للنار ، وعظم النار من تجلي عظمته ، أي : اتقوني في النار ؛ لأني أحرق النار وأعذبها بي ، وهذا سر عين الجمع.
وقال ابن عطاء : أمر العام بإلقاء النار لخوفهم منها ، وتركهم المعاصي من أجلها ، وأمر