يفهم كثير من الناس مقصودهم بها ، ولا يحسن أن يجيبهم. وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع. وأصل ضلالهم تكلمهم بكلمات مجملة لا أصل لها في كتاب الله تعالى ، ولا سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولا قالها أحد من أئمة المسلمين. كلفظ : المتحيز والجسم والجهة ونحو ذلك. فمن كان عارفا بحال شبهاتهم بيّنها ، ومن لم يكن عارفا بذلك فليعرض عن كلامهم ، ولا يقبل إلا ما جاء به الكتاب والسنة ، كما قال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [الأنعام : ٦٨]. ومن تكلم في الله تعالى وأسمائه وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة ، فهو من الخائضين في آيات الله تعالى بالباطل ، وكثير من هؤلاء ينسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه. وكثير منهم قرءوا كتبا من كتب الكلام ، فيها شبهات أضلتهم ، ولم يهتدوا لجوابهم ، فإنهم يجدون في تلك الكتب أنه لو كان الله تعالى فوق الخلق للزم التجسيم والتحيز والجهة ، وهم لا يعرفون حقائق هذه الألفاظ ، ولا ما أراد بها أصحابها ، فإن ذكر لفظ (الجسم) في أسماء الله تعالى وصفاته ، بدعة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ، ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها ، ولم يقل أحد منهم إن الله تعالى جسم ولا أن الله تعالى ليس بجسم ، ولا أن الله تعالى جوهر ، ولا أن الله تعالى ليس بجوهر. ولفظ الجسم لفظ مجمل ، فمعناه في اللغة هو البدن. ومن قال إن الله تعالى مثل بدن الإنسان فهو مفتر على الله عزوجل ، بل من قال إن الله تعالى يماثل شيئا من مخلوقاته فهو مفتر على الله ضال ، ومن قال إن الله تعالى ليس بجسم ، وأراد بذلك أنه لا يماثل شيئا من المخلوقات ، فالمعنى صحيح ، وإن كان اللفظ بدعة. وأما من قال إن الله تعالى ليس بجسم ، وأراد بذلك أنه لا يرى في الآخرة ، وأنه لم يتكلم بالقرآن العربي ، بل القرآن العربي مخلوق ، أو هو تصنيف جبريل عليهالسلام ، أو نحو ذلك ، فهو مفتر على الله تعالى فيما نفاه عنه. وهذا أصل ضلال الجهمية من المعتزلة ، ومن وافقهم على مذهبهم ، فإنهم يظهرون للناس التنزيه ، وحقيقة كلامهم التعطيل ، فيقولون : نحن لا نجسّم ، بل نقول : الله ليس بجسم ، ومرادهم بذلك نفي حقيقة أسمائه وصفاته.
إلى أن قال : فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال ، منزه عن كل نقص وعيب ، ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله صلىاللهعليهوسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، فيثبتون ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات ، وينزهونه عما نزه عنه نفسه من مماثلة المخلوقات ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل. قال عز شأنه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ