قال أبو مسلم : المقصود من الاستفهام التقرير في النفس. ومن عادة العرب ، في إيهام المخاطب وإزالة الشك عنه ، أن يقولوا : أما علمت أن من علمك يجب عليك خدمته؟ أما علمت أن من أحسن إليك يجب عليك شكره؟ فبشّر تعالى هؤلاء التائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم ـ انتهى ـ.
وجوز عود الضمير لغيرهم من المنافقين فالاستفهام توبيخ وتقريع لهم على عدم التوبة وترغيب فيها ، وإزالة لما يظنون من عدم قبولها. وقرئ بالتاء. وهو ، على الأول ، التفات ، وعلى الثاني بتقدير (قل) ، ويجوز أن يكون الضمير للمنافقين والتائبين معا ، للتمكن والتخصيص.
الثاني ـ الضمير أعني (هو) إما للتأكيد ، أو له مع التخصيص ، بمعنى أن الله يقبل التوبة لا غيره ، بمعنى أنه يفعل ذلك البتة ، لأن ضمير الفصل يفيد ذلك ، والخبر المضارع من مواقعه. وقيل : معنى التخصيص في (هو) أن ذلك ليس إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إنما الله سبحانه هو الذي يقبل التوبة ويردها ، فاقصدوه بها ، ووجهوها إليه ، لأن كثرة رجوعهم إليه ، صلوات الله عليه ، مظنة لتوهم ذلك.
الثالث ـ تعدية القبول ب (عن) لتضمنه معنى التجاوز ، والعفو عن ذنوبهم التي تابوا عنها : وقيل : (عن) هنا بمعنى (من) كما يقال : أخذت هذا منك وعنك.
الرابع ـ الأخذ هنا استعارة للقبول والإثابة ، لأن الكريم والكبير إذا قبل شيئا عوّض عنه ، وقد يجعل الإسناد إلى الله مجازا مرسلا. وقيل : في نسبة الأخذ إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم في قوله (خذ) ثم إلى ذاته تعالى ـ إشارة إلى أن أخذ الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قائم مقام أخذ الله ، تعظيما لشأن نبيه ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠].
الخامس ـ جملة (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) تأكيد لما عطف عليه ، وزيادة تقرير لما يقرره ، مع زيادة معنى ليس فيه ، كما أفادته صيغة المبالغة التي تفيد تكرر ذلك منه أي ألم يعلموا أنه المختص بقبول التوبة ، وأن ذلك سنة مستمرة له ، وشأن دائم؟
لطيفة :
نقل ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر عن حوشب قال : غزا الناس في زمن