ابن مطعم رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله! إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة ، فقال : لتأتينكم أجوركم ، ولو كنتم في حجر ثعلب. وأصغى إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم برأسه فقال : إن في أصحابي منافقين ، أي يرجفون ويتكلمون بما لا صحة له.
وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء أن رجلا يقال له حرملة أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال : الإيمان ها هنا ، وأشار بيده ، إلى لسانه ، والنفاق ها هنا ، وأشار بيده إلى قلبه ، ولم يذكر الله إلا قليلا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهم اجعل له لسانا ذكرا ، وقلبا شاكرا ، وارزقه حبي وحب من يحبني ، وصيّر أمره إلى خير. فقال : يا رسول الله! إنه كان لي أصحاب من المنافقين ، وكنت رأسا فيهم ، أفلا آتيك بهم؟ قال : من أتانا استغفرنا له ، ومن أصرّ على دينه ، فالله أولى به ، ولا تخرقنّ على أحد سترا ـ ورواه الحاكم أيضا ـ.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال : ما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة وفلان في النار ، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري! لعمري أنت بنصيبك أعلم منك بأحوال الناس ، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الأنبياء قبلك! قال نبيّ الله نوح عليهالسلام : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الشعراء : ١١٢]. وقال نبي الله شعيب عليهالسلام : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [هود : ٨٦]. وقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ).
لطيفة :
قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) عطف على (مِمَّنْ حَوْلَكُمْ) عطف مفرد على مفرد. وقوله تعالى : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) إما جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، مسوقة لبيان علوّهم في النفاق. إثر بيان اتصافهم به ، وإما صفة للمبتدأ المذكور ، فصل بينها وبينه بها عطف على خبره. وإما صفة لمحذوف أقيمت هي مقامه ، وهو مبتدأ خبره (مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) والجملة عطف على الجملة السابقة ، أي ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق ـ أفاده أبو السعود ـ.
ولما بين تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغزاة ، رغبة عنها وتكذيبا وشكا ، بيّن حال المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسلا وميلا إلى الراحة ، مع إيمانهم وتصديقهم بالحق ، فقال عز شأنه :