يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم (نهاوند) فقال الأعرابي : والله! إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني! فقال زيد : ما يريبك من يدي ، إنها الشمال؟ فقال الأعرابي : والله! ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال؟ فقال زيد بن صوحان : صدق الله (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ).
ثم أشار تعالى إلى فريق آخر من منافقي الأعراب ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٩٨)
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) أي يعدّ ما يصرفه في سبيل الله ، ويتصدق به صورة ، غرامة وخسرانا ، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء لا لوجه الله عزوجل ، وابتغاء المثوبة عنده ، والغرامة والمغرم والغرم (بالضم) : ما ينفقه المرء من ماله وليس يلزمه ، ضررا محضا وخسرانا. وقال الراغب : الغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) أي ينتظر بكم دوائر الدهر ـ جمع (دائرة) وهي النكبة والمصيبة تحيط بالمرء ـ فتربص الدوائر ، انتظار المصائب ، لينقلب أمر المسلمين ويتبدل ، فيخلصوا مما عدّوه مغرما (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) اعتراض بالدعاء عليهم ، بنحو ما يتربصونه ، أو إخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم.
قال الشهاب : (الدائرة) اسم للنائبة ، وهي بحسب الأصل مصدر ، كالعافية والكاذبة. أو اسم فاعل بمعنى عقبة دائرة. والعقبة أصلها اعتقاب الراكبين وتناوبهما. ويقال : للدهر عقب ونوب ودول ، أي مرة لهم ومرة عليهم. و (السوء) يقرأ بضم السين وهو الضرر ، وهو مصدر في الحقيقة. يقال : سؤته سوءا ومساءة ومسائية. ويقرأ بفتح السين وهو الفساد والرداءة ـ قاله أبو البقاء ـ (وَاللهُ سَمِيعٌ) أي لما يقولونه عند الإنفاق مما لا خير فيه (عَلِيمٌ) أي بما يضمرونه من الأمور الفاسدة التي منها تربصهم الدوائر. وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى.
ثم نوّه تعالى بمؤمني الأعراب الصادقين ، بقوله سبحانه :