تعاتبوهم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) أي فأعطوهم طلبتهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) تعليل لترك معاتبتهم ، يعني أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم ، وإنما يعاتب الأديم ذو البشرة. والمؤمن يوبّخ على زلة تفرط منه ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار. وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم ـ أفاده الزمخشري ـ.
وقال الشهاب : يعني أنهم يتركون ، ويجتنب عنهم كما تجتنب النجاسة ، وهم طلبوا إعراض الصفح ، فأعطوا إعراض مقت.
وقوله تعالى : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) من تمام التعليل ، فالعلة نجاسة جبلّتهم التي لا يمكن تطهيرها ، لكونهم من أهل النار ، فاللوم يغريهم ولا يجديهم. والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل ، أو تعليل ثان يعني وكفتهم النار عتابا وتوبيخا ، فلا تكلفوا عتابهم.
وقوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يجوز أن يكون مصدرا وأن يكون علة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٩٦)
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ) بدل مما سبق ، وعدم ذكر المحلوف به لظهوره ، أي يحلفون به تعالى : (لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) أي باعتقاد طهارة ضمائرهم وإخلاصهم (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) فيه تبعيد عن الرضا عنهم على أبلغ وجه وآكده ، فإن الرضا عمن لا يرضى الله تعالى عنه ، مما لا يكاد يصدر عن المؤمن.
ثم أشار تعالى إلى أن منافقي الأعراب أشد رجسا فلا يغتر بحلفهم ، وإن لم يكذبهم الوحي ، فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٩٧)
(الْأَعْرابُ) وهم أهل البدو (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) أي من أن أهل الحضر ، لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم ، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ، ومعرفة الكتاب