الحكم بأنه صار منسوخا بآية أخرى مذكورة معه؟ هذا في غاية البعد ، اللهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على أن المراد ذلك ، فحينئذ يجب المصير إليه. إلا أن دعوى الإجماع بعيدة. انتهى.
وأقول : لعموم هذا الخطاب ونظمه وجه في إثبات التوارث ، لا سيما وقد نفى تعالى ولاية من لم يهاجر نفيا استغرق أقرب الأقارب حيث قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) أي بأن أقاموا في بواديهم (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) أي إلى المدينة. وقوله تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) أي إذا استنصركم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال دينيّ ، فيجب عليكم أن تنصروهم على أعدائهم المشركين ، لأنهم إخوانكم في الدين (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي عهد ومهادنة إلى مدة ، فلا تعينوهم عليهم ، لئلا تخفروا ذمتكم ، وتنقضوا عهدكم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي فلا تخالفوا أمره.
تنبيهات :
الأول ـ احتج من ذهب إلى أن المراد من قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي من توليتهم في الميراث ، وأنه هو المراد في الآية السابقة أيضا ، بقوله تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) فإن هذا موالاة في الدين ، فحينئذ لا يجوز حمل الموالاة المنفية ، على النصرة والمظاهرة ، لأنها لازمة لكل حال لكلا الفريقين. وأجاب الرازي بما معناه : إن الولاية هنا ليس المراد بها مطلق التولي حتى يرد ما ذكروه ، بل عنى بها معنى خاص ، وهو علاقة شديدة ، ومحبة أكيدة ، وإيثار قويّ ، وأخوة وثيقة. ولا يلزم من النصر التولي. فقد ينصر المرء ذميّا لأمر ما ولا يتولاه ، ويدافع عن عبده أو أمته ويعينهما ولا يتولاهما ـ والله أعلم ـ.
الثاني ـ يظهر أن هذه الآية كسوابقها مما نزل إثر واقعة بدر ، وطلب من كل من آمن من البادين أن يهاجر ، ليكثر سواد المسلمين ، ويظهر اجتماعهم ، وإعانة بعضهم لبعض ، فتتقوى بألفتهم شوكتهم ، ولم يزل طلب الهجرة إلا بفتح مكة ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : لا هجرة بعد فتح مكة. رواه البخاري (١) عن مجاشع بن مسعود.
__________________
(١) حديث مجاشع بن مسعود أخرجه البخاريّ في : الجهاد ، ١١٠ ـ باب البيعة في الحرب ألا يفرّوا ، حديث رقم ١٤١٣ و ١٤١٤.
وأخرجه مسلم في : الإمارة ، حديث ٨٣ و ٨٤.
ونصه : قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم أبايعه على الهجرة فقال «إن الهجرة قد مضت لأهلها».