لأن تعاقب الليل والنهار إنما يخصل بحركة الفلك الأعظم ، وتلك الحركة أشد الحركات سرعة ، وأكملها شدة ، حتى إن الباحثين عن أحوال الموجودات قالوا : الإنسان إذا كان في العدو الشديد الكامل ، فإلى أن يرفع رجله ويضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل ، وإذا كان الأمر كذلك ، كانت تلك الحركة في غاية الشدة والسرعة ، فلهذا السبب قال تعالى : (يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) أي مذللات لما يراد منها من طلوع وغروب وسير ورجوع بقضائه وتصريفه. قال الشهاب : وسماه (أمرا) على التشبيه ، إذ جعل هذه الأشياء لكونها تابعة لتدبيره وتصريفه كما يشاء كأنهن مأمورات منقادة لأمره. ويصح حمله على ظاهره ـ انتهى ـ.
أي وهو الكلام ، فيكون تعالى أمر هذه الأجرام بالسير الدائم ، والحركة المستمرة إلى انقضاء الدنيا ، وخراب هذا العالم. وقد قرئ (وَالشَّمْسَ) وما بعده بالنصب عطفا على (السَّماواتِ) ونصب (مُسَخَّراتٍ) على الحال. وقرأها ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء ، والخبر (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) أي هو الذي خلق الأشياء كلها ، وهو الذي صرفها على حسن إرادته ، وفسر الأمر بالقضاء والحكم.
تنبيهان :
الأول : استخرج سفيان بن عيينة ، من هذا المعنى ، أن كلام الله عزوجل ليس بمخلوق ، فقال : إن الله تعالى فرق بين الخلق والأمر ، فمن جمع بينهما فقد كفر. يعني أن من جعل الأمر الذي هو كلامه تعالى من جملة ما خلقه فقد كفر ، لأن المخلوق لا يقوم بمخلوق مثله. كذا في (اللباب). قال في (الإكليل) : استدل به ابن عيينة على أن القرآن غير مخلوق ، أخرجه ابن أبي حاتم. لأن (الأمر) هو الكلام ، وقد عطفه على (الخلق) فاقتضى أن يكون غيره ، لأن العطف يقتضي المغايرة ، وسبقه إلى هذا الاستنباط محمد بن كعب القرظي. انتهى
الثاني : قال في اللباب : في الآية دليل على أنه لا خالق إلا الله عزوجل ، أي للحصر المستفاد من تقديم الظرف. ففيه رد على من يقول إن للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم.
(تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي تقدس وتنزه وتعالى وتعاظم. قال في (التاج) : سئل أبو العباس عن تفسير (تَبارَكَ اللهُ) فقال : ارتفع ـ انتهى ـ.
ولما ذكر تعالى الدلائل على كمال القدرة والحكمة ، ليفردوه بالألوهية ، أمرهم بأن يدعوه وحده متذللين مخلصين فقال سبحانه :