دعوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وما ورد من الذمّ والتوبيخ إنما هو على الثانية ، إذ الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فله أن يشاء من الكافر الكفر ويأمره بالإيمان ويعذبه على خلافه ويبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى دار السلام ، وإن كان لا يهدي إلّا من يشاء.
الوجه الخامس : إن قولهم ذلك كان على سبيل العناد والعتوّ.
قال البقاعي في قوله تعالى : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي : بما أوقعوا من نحو هذه المجادلة في قولهم : إذا كان الكل بمشيئة الله كان التكليف عبثا ، فكانت دعوى الأنبياء باطلة. وهذا القول من المشركين عناد بعد ثبوت الرسالات بالمعجزات وإخبار الرسل بأنه يشاء الشيء ويعاقب عليه لأن ملكه تامّ ، لا يسأل عما يفعل.
وقال الإمام القاشاني قدس الله سره ، في قوله تعالى : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : كذب المنكرون الرسل من قبلهم بتعليق كفرهم بمشيئة الله ، عنادا وعتوّا ، فعذّبوا بكفرهم.
ثم قال في قوله تعالى : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) أي : إن كان لكم علم بذلك وحجة ، فبيّنوا. وإنما قال ذلك ، إشارة إلى قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) لأنهم لو قالوا ذلك عن علم ، لعلموا أن إيمان الموحّدين وكلّ شيء ، لا يقع إلا بإرادة الله. فلم يعادوهم ولم ينكروهم بل والوهم ، ولم يبق بينهم وبين المؤمنين خلاف. ولعمري إنهم لو قالوا ذلك عن علم ، لما كانوا مشركين بل كانوا موحّدين ، ولكنهم اتبعوا الظنّ في ذلك ، وبنوا على التقدير والتخمين لغرض التكذيب والعناد ، وعلى ما سمعوا من الرسل إلزاما لهم وإثباتا لعدم امتناعهم عن الرسل. لأنهم محجوبون في مقام النفس. وأنّى لهم اليقين؟ ومن أين لهم الاطلاع على مشيئة الله؟ وقوله تعالى : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي : إن كان ظنكم صدقا في تعليق شرككم بمشيئة الله ، فليس لكم حجة على المؤمنين وعلى غيركم من أهل دين ، لكون كل دين حينئذ بمشيئة الله ، فيجب أن توافقوهم وتصدقوهم ، بل لله الحجة عليكم في وجوب تصديقهم وإقراركم بأنكم أشركتم ، بمن لا يقع أمر إلّا بإرادته ، ما لا أثر لإرادته أصلا. فأنتم أشقياء في الأزل مستحقّون للبعد والعقاب. وقوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : بلى ، صدقتم. ولكن كما شاء كفركم لو شاء لهداكم كلّكم ، فبأي شيء علمتم أنه لم يشأ هدايتكم حتى أصررتم؟ وهذا تهييج لمن