المرضيّ والمشيئة ، كما اعتقدت المعتزلة ، فاحتجوا على حقيّة الإشراك. وينادي على ذلك قوله (كَذلِكَ كَذَّبَ ..) فإنه لو كان المراد أنّ ذلك ليس بمشيئة الله تعالى لقال (كذلك كذب) بالتخفيف لا التشديد. وهذه الآية ـ عند من له أذن واعية ـ تصيح على المعتزلة بالويل والثبور ، لكن في آذانهم وقر ، ومن لم يهده الله فلا هادي له. انتهى.
الوجه الثاني : إن المشيئة في الآية بمعنى الأمر والدعاء إلى ذلك. أي : يقولون : إن الله أمرهم بذلك ودعاهم إليه ، كما أخبر عنهم في سورة الأعراف بقوله : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) فردّ تعالى عليهم بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ).
الوجه الثالث : إنّ قولهم ذلك كان على سبيل الاستهزاء والسخرية دفعا لدعوته صلىاللهعليهوسلم ، وتعللا لعدم إجابته وانقياده ، لا تفويضا للكائنات إلى مشيئة الله تعالى. فما صدر عنهم ، كلمة حقّ أريد بها باطل. ولذلك ذمّهم الله بالتكذيب لأنهم قصدوا به تكذيب النبيّ صلىاللهعليهوسلم في وجوب اتباعه والمتابعة ، فقال : (كَذلِكَ كَذَّبَ) بالتشديد ، ولم يذمهم بالكذب في قولهم ذلك ، وإلّا لقال (كذلك كذب) بالتخفيف ، إشارة إلى أن ذلك الكلام في نفسه حق وصدق.
وقال آخر : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) فأشار إلى صدق مقالتهم وفساد غرضهم. فالعتاب الذي لحقهم والوعيد الذي أوعدهم ، إنما كان لاستهزائهم ، كما ذكر في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) [مريم : ٦٦]. هي كلمة حقّ. لكن قالها استهزاء فلحقه الذم.
وهذا الوجه اقتصر عليه العضد في (المواقف) وقرره أيضا أبو منصور في (تأويلاته).
قال الحسن بن الفضل : لو قالوا هذه المقالة تعظيما لله وإجلالا له ومعرفة بحقه وبما يقولون ، لما عابهم بذلك. ولكنهم قالوا هذه المقالة تكذيبا وجدلا. من غير معرفة بالله وبما يقولون.
الوجه الرابع : ما يستفاد من قول الإمام : إنّ في كلام المشركين مقدمتين :
(أحداهما) : أن الكفر بمشيئة الله تعالى. و (الثانية) : أنه يلزم منه اندفاع