قال ابن كثير : في تسمية هذا نسخا نظر ، لأنه قد كان شيئا واجبا. ثم إنه فسر بيانه وبين مقدار المخرج وكميته. انتهى.
ولا نظر ، لما عرفت في المقدمة من تسمية مثل ذلك نسخا عند السلف ، ومرّ قريبا أيضا ، فتذكر!
وذهب بعضهم إلى أن الآية مدنية ، ضمت إلى هذه السورة في نظائر لها ، بيّناها أول السورة ، وأن الحق هو الزكاة المفروضة. روي عن أنس وابن عباس وابن المسيّب.
والأمر بإيتائها يوم الحصاد ، للمبالغة في العزم على المبادرة إليه. والمعنى : اعزموا على إيتاء الحق واقصدوه ، واهتموا به يوم الحصاد ، حتى لا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء. قال الحاكم : وقيل : إنما ذكر وقت الحصاد تخفيفا على الأرباب ، فلا يحسب عليهم ما أكل قبله.
وقد روى العوفيّ عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا زرع فكان يوم حصاده ، لم يخرج مما حصد شيئا ، فقال تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وذلك أن يعلم ما كيله وحقه من كل عشرة واحد ، وما يلقط الناس من سنبله.
وقد روى الإمام أحمد (١) وأبو داود (٢) عن جابر بن عبد الله قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم من كل جادّ عشرة أوسق من التمر ، بقنو يعلق في المسجد للمساكين.
قال ابن كثير : إسناده جيد قويّ.
تنبيه :
قال في (الإكليل) : استدل بالآية من أوجب الزكاة في كل زرع وثمر ، خصوصا الزيتون والرمان المنصوص عليهما. ومن خصها بالحبوب ، قال : إن الحصاد لا يطلق حقيقة إلا عليها. وفيها دليل على أن الزكاة لا يجب أداؤها قبل الحصاد. واستدل بها أيضا على أن الاقتران لا يفيد التسوية في الأحكام ، لأنه تعالى قرن الأكل ، وهو ليس بواجب اتفاقا ، بالإيتاء ، وهو واجب اتفاقا. انتهى.
وقوله تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) النهي عن الإسراف ، إما في التصدق ، أي : لا تعطوا فوق المعروف. قال أبو العالية : كانوا يعطون يوم الحصاد
__________________
(١) أخرجه في المسند ٣ / ٣٥٩ و ٣٦٠.
(٢) أخرجه أبو داود في : الزكاة ، ٣٢ ـ باب في حقوق المال ، حديث ١٦٦٢.