للبعض ، فالآية حجة لنا لا علينا. انتهى ـ لكن هذا إنما يستقيم إذا كانت المهملة مرادفة للجزئية. وكونها في قوتها لا يفيد المرادفة. ولهذا اعترض عليه بأن الجنس في حيّز النفي يفيد العموم اتفاقا ، نحو : ما جاءني الرجل. وإنما الاحتمال لعموم السلب ، وسلب العموم عند قصد الاستغراق ، فكيف تعكس القضية على تقدير حمل اللام على الجنس؟ ولو ثبت المرادفة لا ندفع الاعتراض ، إذ تصير الآية حينئذ حجة لنا إلزامية ، حيث يرجع قيد البعضية إلى النفي ، كما أرجع المعتدل قيد العموم ، على تقدير الاستغراق ، إليه. فتأمل! ـ كذا في حواشي الحلبي والشروانيّ ـ.
الثالث ـ من تلك الوجوه أنها ـ أي الآية ـ وإن عمت في الأشخاص باستغراق اللام ، فإنها لا تعم في الأزمان ، فإنها سالبة مطلقة لا دائمة ، ونحن نقول بموجبه ، حيث لا يرى في الدنيا.
قال العلامة حسن حلبي : وما استدل به الخصم سابقا على أنها دائمة ، من أن إيجابها لا يفيد عموم الأوقات ، فلا بد أن يفيده ما يقابله ـ فجوابه : أنه إنما يتم إذا كان التقابل بينهما تقابل التناقض ، وهو ممنوع. فإن القضية الموجبة والسالبة ، الغير الموجهتين ، لم توضعا في العربية لمعنيين متناقضين ، بل لهما محامل يحملهما المستعمل حسب ما يريده.
الرابع ـ منها أن الآية تدل على أن الأبصار لا تراه ، ولا يلزم منه أن المبصرين لا يرونه ، لجواز أن يكون ذلك النفي المذكور في الآية ، نفيا للرؤية بالجارحة مواجهة وانطباعا ، كما هو العادة ، فلا يلزم نفي الرؤية بالجارحة مطلقا. وأما الجواب عن الوجه الثاني وهو قوله : تمدح الباري بأنه لا يرى ، فنقول : هذا مدعاكم ، فأين الدليل عليه؟ إن قلت : أشير فيما تقدم إلى دليله بأنه ذكر في أثناء المدائح ، والمذكور بينهما يجب أن يكون مدحا ـ قلت : ذلك الدليل إنما يدل على التمدح بنفي المبصرية ، لا بنفي الرؤية ، والفرق قد سبق في الجواب الأول. انتهى.
وإذا ثبت أن سياق الكلام يقتضي أنه تمدح ، لم يكن لكم فيه دليل على امتناع رؤيته ، بل لنا فيه الحجة على صحة الرؤية ، لأنه لو امتنعت رؤيته لما حصل المدح بنفيها عنه ، إذ لا مدح للمعدوم بأنه لا يرى ، حيث لم يكن له ذلك ، وإنما المدح في عدم الرؤية للمتمنع المتعزز بحجاب الكبرياء ، كما في الشاهد. انتهى.
وناقش الخيالي قولهم : (لا مدح للمعدوم) بأن عدم مدح المعدوم لاشتماله على معدن كل نقص أعني : العدم ، فإن أصل الممادح والكمالات هو الوجود ، وقد