وقوله : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً ..) إلخ تفصيل لذلك النبات. أي : أخرجنا منه خضرا بسبب الماء ، فيكون بدلا من (فأخرجنا) الأول ، بدل اشتمال. ومن هاهنا يقع التفصيل ، فبعض يخرج منه السنابل ذات حبوب متكاثرة ، وبعض يخرج منه ذات قنوان دانية ، وبعض آخر جنات معروشات .. إلخ.
(وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) العطف فيه كما تقدم (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) حال من (الزيتون) ، اكتفى به عن حال ما بعده. أو من (الرمان) لقربه. والمحذوف حال الأول.
قال الزمخشري : يقال اشتبه الشيئان وتشابها ، كقولك : استويا وتساويا. والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا. وقرئ : متشابها وغير متشابه. والمعنى : بعضه متشابها ، وبعضه غير متشابه في الهيئة والمقدار واللون والطعم ، وغير ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعها ، وحكمة منشئها ومبدعها.
(انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) أي : ثمر كل واحد من ذلك إذا أخرج ثمره ، كيف يكون ضئيلا ضعيفا ، لا يكاد ينتفع به ، (وَيَنْعِهِ) أي : وإلى حال ينعه ونضجه ، كيف يعود شيئا جامعا لمنافع وملاذ. أي : انظروا إلى ذلك نظر اعتبار واستبصار واستدلال ، على قدرة مقدره ومدبره وناقله ، على وفق الرحمة والحكمة ، من حال إلى حال ، فإن فيه آيات عظيمة دالة على ذلك ، كما قال :
(إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي : يصدقون بأن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار هو المستحق للعبادة دون ما سواه ، أو هو القادر على أن يحيي الموتى ويبعثهم. قال بعضهم : القوم كانوا ينكرون البعث ، فاحتج عليهم بتصريف ما خلق ، ونقله من حال إلى حال ، وهو ما يعلمونه قطعا ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها ، وإخراج أنواع النبات والثمار منها ، وأنه لا يقدر على ذلك أحد إلا الله تعالى. فبيّن أنه تعالى كذلك قادر على إنشائهم من نفوسهم وأبدانهم ، وعلى البعث بإنزال المطر من السماء ، ثم إنبات الأجساد كالنبات ، ثم جعلها خضرة بالحياة ، ثم تصوير الأعمال بصور كثيرة ، وإفادة أمور زائدة ، وتفريعها ، وإعطاء أطعمة مشتبهة في الصورة ، غير متشابهة في اللذة ، جزاء عليها ، والله أعلم ـ.
لطيفة :
قال الرازيّ : اعلم أنه تعالى ذكر هاهنا أربعة أنواع من الأشجار : النخل والعنب والزيتون والرمان ، وإنما قدم الزرع على الشجر ، لأن الزرع غذاء ، وثمار الأشجار فواكه ، والغذاء مقدم على الفاكهة. وإنما قدم النخل على سائر الفواكه ، لأن التمر