وسمي السحاب سماء ، لأن العرب تسمي كل ما علا سماء.
(فَأَخْرَجْنا بِهِ) التفت إلى التكلم إظهارا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله أي : فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء ، مع وحدته (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) أي : صنف من أصناف النبات والثمار المختلفة الطعوم والألوان ، كقوله تعالى : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الرعد : ٤].
(فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) أي : من النبات ، يعني أصوله (خَضِراً) أي : شيئا غضّا أخصر. يقال : أخضر وخضر ، كأعور وعور ، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة ، (نُخْرِجُ مِنْهُ) صفة ل (خضرا) وصيغة المضارع ، لاستحضار الصورة ، لما فيها من الغرابة ، أي : نخرج من ذلك الخضر (حَبًّا مُتَراكِباً) أي : متراكما بعضه على بعض ، مثل سنابل البر والشعير والأرز.
قال الرازي : ويحصل فوق السنبلة أجسام دقيقة حادة كأنها الإبر ، والمقصود من تخليقها أن تمنع الطيور من التقاط تلك الحبات المتراكبة.
ثم بين تعالى ما ينشأ عن النوى من الشجر ، إثر بيان ما ينشأ عن الحب من النبات بقوله سبحانه : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) الطلع : أول ما يبدو من ثمر النخيل كالكيزان يكون فيه العذق ، فإذا شق عنه كيزانه سمي عذقا (بكسر العين وسكون الذال المعجمة بعدها) ـ وهو القنو ، أي : العرجون ، بما فيه من الشماريخ ، وجمعه قنوان ـ (مثلث القاف) وهو ومثناه سواء ، لا يفرق بينهما إلا الإعراب.
قال الزمخشري : قنوان ، رفع الابتداء ، و (من النخل) خبره ، و (من طلعها) بدل منه ، كأنه قيل : وحاصلة من طلع النخل قنوان ، انتهى. وجوّز أن يكون (من النخل) عطفا على (منه) وما بعده مبتدأ وخبر. أي : وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان دانية ، أي : ملتفة ، يقرب بعضها من بعض ، أو قريبة من المتناول ، وإنما اقتصر على ذكرها لدلاتها على مقابلها ، أعني البعيدة ، كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ولزيادة النعمة فيها (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) عطف على (نبات كل شيء) أي : وأخرجنا به جنات ، أو على (خضرا). وقال الطيبيّ : الأظهر أن يكون عطفا على (حبّا) لأن قوله : (نبات كل شيء) مفصل لاشتماله على كل صنف من أصناف النامي ، كأنه قال : فأخرجنا بالنامي نبات كل شيء ينبت كل صنف من أصناف النامي. والنامي : الحب والنوى وشبههما.