تنبيهان
الأول ـ ذكر تعالى في غير هذه السورة كون هذه الكواكب زينة للسماء ، وكونها رجوما للشياطين. قال بعض السلف : ممن اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطأ وكذب على الله سبحانه : أن الله جعلها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر ـ نقله ابن كثير ـ.
أقول : مراده اعتقاد مناف للعقد الصحيح لا اعتقاد حكم وإسرار غير الثلاث فيها إذ فوائد المكونات غير محصور. وذكر حكمة في مكون لا ينفي ما عداها ـ فافهم
الثاني ـ قال السيوطيّ في (الإكليل) : هذه الآية أصل في الميقات ، وأدلة العقليات ، ثم بين تعالى نوعا آخر من نعمه ، وأدلة قدرته الباهرة بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ)(٩٨)
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) يعني : آدم عليهالسلام (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) قرئ مستقر بفتح القاف وكسرها ، وأما (مُسْتَوْدَعٌ) فبفتح الدال لا غير. وهما على الأول ، إما مصدران ، أي : فلكم استقرار واستيداع ، أو اسما مكان ، أي : موضع استقرار واستيداع. والاستقرار إما في الأصلاب ، أو فوق الأرض ، لقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦]. أو في الأرحام ، لقوله تعالى : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) [الحج : ٥] أو الاستيداع في الأرحام ، فجعل الصلب مستقرّ النطفة ، والرحم مستودعها ، لأنها تحصل في الصلب ، لا من قبل شخص آخر ، وفي الرحم من قبل الأب ، فأشبهت الوديعة ، كأنّ الرجل أودعها ما كان عنده ، أو في الأصلاب ، أو تحت الأرض ، أو فوقها ، فإنها عليها ، أو وضعت فيها لتخرج منها مرة أخرى كقوله :
وما المال والأهلون إلا ودائع |
|
ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع |
ونقل الرازي عن الأصمّ أن المستقر من خلق من النفس الأولى ، ودخل الدنيا واستقر فيها. والمستودع الذي لم يخلق بعد وسيخلق. وجعل الأصفهانيّ (المستقر) كناية عن الذّكر ، و (المستودع) كناية عن الأنثى. قال : إنما عبر عن