الرابع ـ قال الحافظ ابن كثير رحمهالله : وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم ، كما ذكر في هذه الآية ، وكما في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس : ٣٧ ـ ٣٨]. ولما ذكر خلق السموات والأرض وما فيهن في أول سورة (حم السجدة) قال : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت : ١٢]. انتهى.
وفي (العزة) معنى القهر ، أي : الذي قهرهما بجعلهما مسخرين ، لا يتيسر لهما إلا ما أريد بهما ، كما قال : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [الأعراف : ٥٤] ، ومعنى القدرة الكاملة أيضا.
قال الرازيّ : (الْعَزِيزِ) إشارة إلى كمال قدرته ، و (الْعَلِيمِ) إشارة إلى كمال علمه ، ومعناه : أن تقدير أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة وهيأتها المحدودة ، وحركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة في البطء والسرعة لا يمكن تحصيله إلا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات ، وعلم نافذ في جميع المعلومات من الكليات والجزئيات. وذلك تصريح بأن حصول هذه الأحوال والصفات ليس بالطبع والخاصة. وإنما هو بتخصيص الفاعل المختار ـ والله أعلم.
الخامس ـ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (حُسْباناً) قال : يعني عدد الأيام والشهور والسنين. وقال قتادة : يدوران في حساب. قال السيوطيّ : فالآية أصل في الحساب والميقات. انتهى.
ثم بيّن تعالى نعمته في الكواكب ، إثر بيان نعمته في النيرين إعلاما بكمال قدرته وحكمته ورحمته بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٩٧)
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي : في ظلمات الليل في طرق البر والبحر (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أي : بينا الآيات على قدرته تعالى وحكمته واليوم الآخر (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : وجه الاستدلال بها. وإنما خلقت للاستدلال المتأثر بالعمل بموجبها ، ألا وهو الاستدلال بها على معرفة الصانع الحكيم ، وكمال قدرته وعلمه واستحقاقه العبادة وحده.