(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) أي : ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما يفتريه من القول ، كالنضر بن الحارث. وهذا كقوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) الآية [الأنفال : ٣١].
قال المهايمي : أي ومن أنكر إعجاز القرآن حتى قال : سأنزل مثل ما أنزل الله ، مع أنه قد عرف إعجازه ، فكأنه ادعى لنفسه قدرة الله ، فكأنه ادعى الإلهية لنفسه ، ولا يجترئ على هذه الوجوه من الظلم من يؤمن بالآخرة. فيعلم ما للظالمين فيها ، المبيّن بقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ). أي : شدائده وسكراته وكرباته ، (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) أي : بالضرب والعذاب ، كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) [الأنفال : ٥٠].
(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي : قائلين لهم : أخرجوا إلينا أرواحكم من أجسادكم ، تغليظا وتوبيخا وتعنيفا عليهم. وقد جنح بعضهم إلى أن ما ذكر من مجاز التمثيل. أي : فشبه فعل الملائكة في قبض أرواحهم ، بفعل الغريم الذي يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف في استيفاء حقه من غير إمهال. وفي (الكشف) أنه كناية عن ذلك ، ولا بسط ولا قول حقيقة. قال الناصر في (الانتصاف) : ولا حاجة إلى ذلك. والظاهر أنهم. يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة ، على الصور المحكية. وإذا أمكن البقاء على الحقيقة ، فلا معدل عنها. انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير : إن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم ، فتتفرق روحه في جسده ، وتعصى ، وتأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم ، قائلين لهم : أخرجوا أنفسكم. انتهى.
أقول : مما يؤيد الحقيقة آية (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى) المتقدمة ، فإنها صريحة ومراعاة النظائر القرآنية أعظم ما يفيد في باب التأويل.
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في هذه الآية حال الكافر عند القبض ، وعذاب القبر. واستدل بها محمد بن قيس على أن لملك الموت أعوانا من الملائكة ـ أخرجه ابن أبي حاتم ـ.
(الْيَوْمَ) أي : وقت الإماتة ، أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له. (تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي ، الهوان الشديد ، (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) كالتحريف ودعوى النبوة الكاذبة. وهو جراءة على الله متضمنة للاستهانة به ـ قاله