غير ترتيب ، لا بحسب الزمان ، ولا بحسب الفضل ، لأن الواو لا تقتضي الترتيب. ولكن هنا لطيفة في هذا الترتيب ، وهي أن الله تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بنوع من الكرامة والفضل ، فذكر أولا نوحا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أصول الأنبياء ، وإليهم ترجع أنسابهم جميعا. ثم من المراتب المعتبرة ، بعد النبوة ، الملك والقدرة والسلطان. وقد أعطى الله داود وسليمان من ذلك حظّا وافرا. ومن المراتب الصبر عند نزول البلاء والمحن والشدائد ، وقد خص الله بهذه أيوب عليهالسلام. ثم عطف على هاتين المرتبتين من جمع بينهما ، وهو يوسف عليهالسلام ، فإنه صبر على البلاء والشدة إلى أن آتاه الله ملك مصر مع النبوة ، ثم من المراتب المعتبرة في تفضيل الأنبياء عليهمالسلام كثرة المعجزات ، وقوة البراهين ، وقد خص الله موسى وهارون من ذلك بالحظ الوافر. ثم من المراتب المعتبرة الزهد في الدنيا ، والإعراض عنها ، وقد خص الله بذلك زكريا ويحيى وعيسى وإلياس عليهمالسلام ، ولهذا السبب وصفهم بأنهم من الصالحين ، ثم ذكر الله من بعد هؤلاء الأنبياء ، من لم يبق له أتباع ولا شريعة ، وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط. فإذا اعتبرنا هذه اللطيفة على هذا الوجه ، كان هذا الترتيب من أحسن شيء يذكر ، والله أعلم بمراده ، وأسرار كتابه ـ أفاده الخازن وأصله للرازيّ ـ.
الرابع ـ استدل بقوله تعالى : (وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) من يرى أن الأنبياء أفضل من الملائكة. لأن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى ، فيدخل فيه الملك.
الخامس ـ نكتة ذكر (الهداية) في قوله تعالى (كُلًّا هَدَيْنا) هو تعديد النعم على إبراهيم صلىاللهعليهوسلم بشرف الأصول والفروع ـ كما أسلفنا ـ والولد لا يعدّ نعمة ما لم يكن مهديّا.
السادس ـ قال السيوطي في (الإكليل) : استدل بقوله تعالى : (كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا) من أنكر إفادة التقديم الحصر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٨٧)
(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) عطف على (كلًّا) أو (نُوحاً) أي : كلا منهم فضلنا ، وفضلنا بعض آبائهم ، أو هدينا من آبائهم ومن معهم للدين الخالص جماعات كثيرة ، فالمفعول محذوف. (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)