لمقدر هو عبارة عن المذكور. أي : وليكون من الموقنين بالتوحيد ، فعلنا ما فعلنا من الإراءة والتبصير بآيات السموات والأرض.
لطائف :
الأولى ـ قال الرازيّ : وههنا دقيقة عقلية ، وهي أن نور جلال الله تعالى لائح غير منقطع ولا زائل البتة ، والأرواح البشرية ، لا تصير محرومة عن تلك الأنوار إلا لأجل حجاب ، وذلك الحجاب ليس إلا الاشتغال بغير الله تعالى. فإذا كان الأمر كذلك. فبقدر ما يزول ذلك الحجاب ، يحصل هذا التجلي. فقول إبراهيم عليه والسلام : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) إشارة إلى تقبيح الاشتغال بعبادة غير الله تعالى ، لأن كل ما سوى الله فهو حجاب عن الله تعالى ، فلما زال ذلك الحجاب ، لا جرم تجلّى له ملكوت السموات بالتمام. فقوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ) معناه : وبعد زوال الاشتغال بغير الله حصل له نور تجلى جلال الله تعالى ، فكان قوله (وَكَذلِكَ) منشأ لهذه الفائدة الشريفة الروحانية.
الثانية ـ قال الرازيّ : اليقين عبارة عن علم يحصل بعد زوال الشبهة بسبب التأمل. ولهذا المعنى لا يوصف علم الله تعالى بكونه يقينا ، لأن عمله غير مسبوق بالشبهة ، وغير مستفاد من الفكر والتأمل. واعلم أن الإنسان في أول ما يستدل به ، فإنه لا ينفك قلبه عن شك وشبهة من بعض الوجوه ، فإذا كثرت الدلائل وتوافقت وتطابقت ، صارت سببا لحصول اليقين. وذلك لوجوه :
الأول ـ أنه يحصل لكل واحد من تلك الدلائل نوع تأثر وقوة ، فلا تزال القوة تتزايد حتى تنتهي إلى الجزم.
الثاني ـ أن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكة. فكثرة الاستدلال بالدلائل المختلفة على المدلول الواحد ، جار مجرى تكرار الدرس الواحد. فكما أن كثرة التكرار تفيد الحفظ المتأكد الذي لا يزول عن القلب ، فكذا هاهنا.
الثالث ـ أن القلب عند الاستدلال كان مظلما جدّا ، فإذا حصل فيه الاعتقاد المستفاد من الدليل الأول ، امتزج نور ذلك الاستدلال بظلمة سائر الصفات الحاصلة في القلب ، فحصل فيه حالة شبيهة بالحالة الممتزجة من النور والظلمة ، فإذا حصل الاستدلال الثاني امتزج نوره بالحالة الأولى ، فيصير الإشراق واللمعان أتم. وكما أن الشمس إذا قربت من المشرق ظهر نورها في أول الأمر ، وهو الصبح ، فكذلك الاستدلال الأول يكون كالصبح. ثم ، كما أن الصبح لا يزال يتزايد بسبب تزايد قرب