ثبت هذا ، فلقائل أن يقول : كيف قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) مع أنه ليس فيه تفاصيل علم الطب ، وتفاصيل علم الحساب ،
ولا تفاصيل كثير من المباحث والعلوم. وليس فيه أيضا تفاصيل مذاهب الناس ودلائلهم
في علم الأصول والفروع؟.
والجواب : أن
قوله : (ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) يجب أن يكون مخصوصا ببيان الأشياء التي يجب معرفتها ،
والإحاطة بها ، وبيانه من وجهين :
الأول ـ أن لفظ
(التفريط) لا يستعل نفيا وإثباتا ، إلا فيما يجب أن يبين ، لأن أحدا لا ينسب إلى
التفريط والتقصير في أن لا يفعل ما لا حاجة إليه ، وإنما يذكر هذا اللفظ فيما إذا
قصر فيما يحتاج إليه.
الثاني ـ أن
جميع آيات القرآن ، أو الكثير منها ، دالة بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام على أن
المقصود من إنزال هذا الكتاب بيان الدين ، ومعرفة الله ، ومعرفة أحكام الله. وإذا
كان هذا التقييد معلوما من كل القرآن ، كان المطلق هاهنا محمولا على ذلك المقيّد.
أما قوله : إن هذا الكتاب غير مشتمل على جميع علوم الأصول والفروع ، فنقول : أما
علم الأصول فإنه بتمامه حاصل فيه ، لأن الدلائل الأصلية مذكورة فيه على أبلغ
الوجوه. فأما روايات المذاهب ، وتفاصيل الأقاويل ، فلا حاجة إليها. وأما تفاصيل
علم الفروع ، فقال العلماء : إن القرآن دل على أن الإجماع ، وخبر الواحد ، والقياس
، حجة في الشريعة. فكل ما دل عليه أحد هذه الأصول الثلاثة ، كان ذلك في الحقيقة
موجودا في القرآن.
وذكر الواحديّ رحمهالله لهذا المعنى أمثلة ثلاثة :
المثال الأول ـ
روي أن ابن مسعود كان يقول : ما لي لا ألعن من لعنه الله
__________________