ولما ذكر الله تعالى تغليظ الإثم في قتل النفس بغير نفس ولا فساد ـ أتبعه ببيان الفساد المبيح للقتل بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٣٣)
(إِنَّما جَزاءُ) أي مكافأة (الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : يخالفونهما ويعصون أمرهما (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أي : يعملون في الأرض بالمعاصي وهو القتل وأخذ المال ظلما (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ). أي : أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أي : يطردوا منها وينحّوا عنها. وهو التغريب عن المدن ، فلا يقرّون فيها (ذلِكَ) أي : الجزاء المذكور (لَهُمْ خِزْيٌ) ذل وفضيحة (فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهو عذاب النار.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣٤)
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) أي من المحاربين (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وفي هذه الآية مسائل :
الأولى ـ روى ابن جرير (١) وأبو داود والنسائيّ عن ابن عباس ، أنها نزلت في المشركين. وروى ابن جرير عن أبيّ ، أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب نقضوا عهدهم مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وظاهر أنها عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : الحدود ، ٣ ـ باب ما جاء في المحاربة ، حديث ٤٣٧٢ ونصه : عن ابن عباس قال : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ) نزلت هذه الآية في المشركين ، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه ، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحدّ الذي أصابه.