الثاني : في الآية دلالة على أن الندم ، إذا لم يكن لقبح المعصية ، لم يكن توبة. قال الرازيّ : ندم على قساوة قلبه وكونه دون الغراب في الرحمة. فكان ندمه لذلك ، لا لأجل الخوف من الله تعالى ، فلا جرم لم ينفعه ذلك الندم.
الثالث : الآية أصل في دفن الميت.
الرابع : قال ابن جرير (١) زعم أهل التوراة أن قابيل لما قتل أخاه هابيل ، قال له الله : يا قابيل! أين أخوك هابيل؟ قال : ما أدري. ما كنت عليه رقيبا. فقال الله : إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض ، الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلغت دم أخيك من يدك. فإذا أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها ، حتى تكون فزعا تائها في الأرض. انتهى.
الخامس : روى ابن جرير (٢) بسنده عن عليّ بن أبي طالب قال : لما قتل ابن آدم أخاه بكى آدم فقال :
تغيّرت البلاد ومن عليها |
|
فلون الأرض مغبّر قبيح |
تغيّر كل ذي لون وطعم |
|
وقلّ بشاشة الوجه المليح |
فأجيب آدم عليه الصلاة والسلام :
أبا هابيل! قد قتلا جميعا |
|
وصار الحيّ كالميت الذّبيح |
وجاء بشرّة قد كان منها |
|
على خوف ، فجاء بها يصيح |
أقول : قد اشتهر البيتان الأولان. وقد فنّد نسبتهما إلى آدم غير واحد.
قال الزمخشريّ : روي أن آدم رثاه بشعر. وهو كذب بحت. وما الشعر إلا منحول ملحون. وقد صح أن الأنبياء عليهمالسلام معصومون من الشعر. انتهى.
قال الشرّاح : (المليح) في النظم المذكور ، إن رفع فخطأ. لأنه صفة الوجه المجرور ، وإن خفض فإقواء وهو عيب قبيح ، وإن كثر. وقول من قال (الوجه فاعل قلّ. وبشاشة منصوب على التمييز بحذف التنوين ، إجراء للوصل مجرى الوقف) ألحن ، وقيل : إن آدم عليه الصلاة والسلام رثاه بكلام منثور بالسريانيّ. فلم يزل ينقل إلى أن وصل إلى يعرب بن قحطان ـ وهو أول من خطّ بالعربية ـ فقدم وأخّر وجعله شعرا عربيا. انتهى.
__________________
(١) الأثر رقم ١١٧٦٥ من التفسير.
(٢) الأثر رقم ١١٧٢١ من التفسير.