فهو فى حكم مسجد الضرار ولا تجوز الصلاة فيه. ومن ذلك أن يكون قد بنى بلا اعتبار للمسجد الآخر واستهتارا به ، فذلك هو بناؤه كفرا. وأما بناؤه تفريقا للمسلمين فإنه سيستقطب جماعة منهم فيختلفون عن الصلاة مع النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وبناؤه إرصادا لمن حارب الله ورسوله يعنى ترقبا لوصول أبى عامر الراهب ، وكان يسمى الراهب لأنه وهب نفسه للعبادة والتماس العلم ، ومات كافرا بقنسرين بالشام بدعوة النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يموت غريبا. وجماعة عامر هذا لمّا واجههم النبىّ صلىاللهعليهوسلم بما فعلوا حلفوا أنهم ما أرادوا إلا الحسنى وهم كاذبون ، وذلك دليل أن الأعمال تختلف بالمقصود والإرادات.
٤٠ ـ وفى قوله تعالى : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (١٠٨) : قيل : نزلت فى مسجد قباء وفى أهله ، ولما نزلت هذه الآية سألهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله سبحانه قد أحسن عليكم الثناء فى التطهر ، فما تصنعون؟» وكانوا يحبون أن يستنجوا بالماء.
٤١ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١١) : قيل : نزلت فى البيعة الثانية وهى بيعة العقبة الكبرى ، وهى التى أناف فيها رجال الأنصار على السبعين ، أصغرهم عقبة بن عمرو ، وكان اجتماعهم بالرسول صلىاللهعليهوسلم عند العقبة ، فقال عبد الله بن رواحة للنبىّ صلىاللهعليهوسلم : اشترط لربّك ولنفسك ما شئت. فقال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «أشترط لربّى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. واشترط لنفسى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم» ، قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال : «الجنة» ، قالوا : ربح البيع ، لا نقبل ولا نستقبل. فنزلت الآية ، ثم إنها بعد ذلك عامة فى كل مجاهد فى سبيل الله من أمة محمد إلى يوم القيامة.
٤٢ ـ وفى قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١١٣) : قيل : نزلت هذه الآية لمّا حضرت أبا طالب الوفاة ، فجاءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عمّ ، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله» ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية : يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ولم يزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرضها عليه ويعيدها حتى ذكر أبو طالب كآخر ما كلمهم : أنه على ملّة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما والله لأستغفر لك ما لم أنه عنك» ، فأنزل الله الآية فى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، يقول له فى أبى طالب :