٣٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٠٧) : قيل : نزلت فيما روى فى أبى عامر الراهب ، وكان يعادى النبىّ صلىاللهعليهوسلم مع أنه والد حنظلة المشهور بحنظلة غسيل الملائكة من صحابة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والذى استشهد بأحد ، قتله أبو سفيان ، وقيل لما سمع النداء إلى الجهاد خرج وهو جنب واستشهد جنبا ، فأخبر الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الملائكة غسّلته. وأبو عامر ناصر قريشا وألّبهم على الرسول صلىاللهعليهوسلم فى المدينة ، وانضم إليهم فى أحد ، وحفر حفائر ليقع فيها الصف الأول من المحاربين المسلمين ومنهم الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فوقع فى إحداها ، وارتج رأسه ، وجرح وجهه ، وكسرت رباعيته اليمنى السفلى ، ثم دارت الدوائر على قريش وحلفائهم ففرّ أبو عامر ، فلما زال يقاتل مع من يقاتل النبىّ صلىاللهعليهوسلم إلى يوم حنين ، فلما انهزمت هوازن ، توجه إلى الشام وتنصّر ، ووعده النصارى أن يساعدوه ، فأرسل إلى المنافقين فى المدينة يمنّيهم ، فبنى هؤلاء مسجدا إلى جوار مسجد قباء ، تمويها على المسلمين. وقيل إن بنى عمرو بن عوف بنوا مسجد قباء ، وأتاهم النبىّ فصلى فيه ، فحسدهم إخوانهم بنو غنم بن عوف ، وقالوا نبنى مسجدا ونبعث الى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ليصلى فيه ، كما صلى فى مسجد بنى عمرو ، فنكون وبنو عمرو على سواء ، فإذا حضر أبو عامر وجد مكانا يخطب فيه فى الناس ويناقشهم ويحتج عليهم. ثم إنهم أتوا النبىّ صلىاللهعليهوسلم وهو يتجهّز إلى تبوك يدعونه للصلاة فيه ، فاعتذر بسفره إلى أن يعود فيصلى فى مسجدهم ويدعو لهم بالبركة. وانصرف النبىّ صلىاللهعليهوسلم من تبوك وعاد ، وكانوا قد فرغوا من مسجدهم وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد ، وتجهّز النبىّ صلىاللهعليهوسلم ليأتيهم ، فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضرار ، فدعا مالك بن الدّخشم ، ومعن بن عدى ، وعامر بن السكن ، ووحشيا قاتل حمزة ، وأمرهم أن يذهبوا فيهدموا هذا المسجد الظالم أهله ويحرقوه ، واستحضر ابن الدخشم شعلة نار من بيته وانضم إلى زملائه ، وأحرقوا المسجد وهدموه. وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا : هم خذام بن خالد من بنى عبيد بن زيد أحد بنى عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج المسجد الضرار ؛ ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعبّاد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بنى عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، وابناه مجمّع وزيد ، ونبتل بن الحارث ، وبحزج ، وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، وثعلبة بن حاطب. وقيل سمى مسجد الضرار من ضرّ يضرّ ، وضرره انه بجوار مسجد قباء ، ولا يجوز أن يبنى مسجد إلى جانب مسجد آخر لئلا ينصرف أهل المسجد الأول إلى المسجد الثانى. وكل مسجد بنى على ضرار ـ أى ليضر بمسجد آخر ، أو بنى رياء وسمعه ،