الواقع ، وتشريف لمن وقع له ، ولقد سجد الملائكة : (إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١١) (الأعراف) ، لأنه استكبر وتنازعته الغيرة والحسد ، ولم يكن ذلك حال الملائكة كما جاء فى وصفهم : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢٠٦) (الأعراف) ، وقوله يسبحونه : أى يعظّمونه وينزّهونه عن كل سوء ، وله يسجدون : يعنى يصلون ويذلّون طاعة وولاء ، وفى القرآن من ذلك النوع من السجود للتعظيم نحو من خمس عشرة سجدة ، أولها خاتمة الأعراف السابقة ، وآخرها خاتمة العلق ، وقد يزاد عليها سجدة سورة الحجر : (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨) ، فيكون عدد السجدات ست عشرة ، وهى فى سور : الأعراف ، والرعد ، والنحل ، والحجر ، والإسراء وبنى إسرائيل ، ومريم ، والحج ، والفرقان ، والنمل ، والسجدة ، وص ، وحم تنزيل ، والنجم ، والعلق.
وسجود التلاوة ليس بواجب ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يحافظ عليه ، ومواظبته تدل على الاستحباب ، ويحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة حدث ونجس ، ونية ، واستقبال قبلة ، ووقت. وقيل كان عمر يسجد على غير طهارة ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم إذا سجد كبّر ، وإذا رفع كبّر ، ولا سلام لسجود التلاوة أو سجود التعظيم ، والتكبير فى أوله للإحرام للسجود فحسب.
والسجود من هذا النوع فى سائر الأوقات مطلقا ، لأنها صلاة لسبب ، وإذا سجد يقول : «اللهم احفظ عنى بها وزرا ، واكتب لى بها أجرا ، واجعلها لى عندك ذخرا». وإذا قرأها فى صلاة نافلة سجد إن كان منفردا ، أو فى جماعة يأمن التخليط فيها ، فإن لم يأمن ذلك فى جماعة قيل لا يسجد. وفى الفريضة سواء كانت صلاة سرّ أو جهر ، ولا يمنع منها الفرادى ولا الجماعة طالما يؤمن فيها التخليط. وفى السجود فى الحضر يستقبل المصلى القبلة ، فإن كان راكبا فلا عليه حيثما كان وجهه.
* * *
١٩٢٢ ـ ما خلق الله من شىء إلا ويسجد لله
سجود الأشياء : هو انقيادها ، وفى الآية : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨) (النحل) ، أن كل ما له ظل يسجد له تعالى ؛ وقوله عن اليمين والشمائل أن ظله يتحرك مع حركة الشمس ، ودوران الشمس نفسها هو سجودها ، وكل سجود لله من الأشياء يعنى انصياعها ، وأن تكون فى عملها على أسبابه تعالى لا تخرج عنها.
* * *