ويرث الأبناء عقائد الآباء وآدابهم ، كقوله تعالى : عن آبائنا الأقدمين : (نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) (٢١) (لقمان) ، وقول إسماعيل لأبيه إبراهيم : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢) (الصافات) ، ومثل نصيحة بنت شعيب لأبيها : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (٢٦) (القصص) ، ونبّه القرآن إلى ذكاء هذه الابنة وأدبها العالى باعتبارها البنت الكبرى ، فقال تعالى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) (٢٥) (القصص) ، ومثل ذلك أدب يوسف مع أبويه : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) (١٠٠) (يوسف) ، ويعدّ حوار إبراهيم مع أبيه نموذجا للنقاش مع الأب فى قوله تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (٤٧) (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (٤٨) (مريم) ، فلم يعارض أباه بسوء الردّ. وقد يقال للعم أبا ، وقيل : كان آزر هو عم إبراهيم الذى ربّاه ، ومع ذلك جاء عنه فى القرآن أنه أبوه ، قال : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) (٧٤) (الأنعام) ، وقال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) (١١٤) (التوبة). وفى القرآن نوديت مريم أم عيسى بالأخت فقيل : (يا أُخْتَ هارُونَ) (٢٨) (مريم) ، ولم تكن أخت هارون على الحقيقة ولكنها من بيت هارون ؛ وفى التوراة والإنجيل نفس الشيء ، فقال عن الأعمام أنهم آباء ، ويقال للسيدة «يا أخت» ، كما يقال للرجل : «يا أخ» ومن قصة يوسف مع إخوته وأبيهم خلصنا إلى ما أطلقنا عليه اسم «عقدة الإخوة» ، ويسميها أهل الطب النفسى تنافس الأشقاء ، وهو أن تعتمل الغيرة فى نفوسهم ضد الابن المقرّب من أبيه ، وفى قصة يوسف بلغ من شدّة غيرتهم أنهم دبّروا قتله ، قالوا : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) (٩) (يوسف).
وفى تعاليم القرآن عن الوالدين : البرّ ، كقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (٨٣) (البقرة) ، والوصية لهما ، كقوله : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) (١٨٠) (البقرة) ، والنفقة عليهما ، كقوله : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ) (٢١٥) (البقرة) ، والإحسان بهما ، كقوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (٣٦) (النساء) ، والشكر لهما ، كقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (١٤) (لقمان). ومن دعاء إبراهيم للوالدين قوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (٤١) (إبراهيم).
والأم كالأب ، وهى أمّ على الحقيقة ، وأم بالرضاع ، ولها حقوقها وآداب التعامل معها ، كالأسرة جميعا ، ويحرم الزواج منها سواء كانت أما بالولادة أو بالرضاع ، وشأنها شأن البنات والأخوات. والأخوات بالرضاع يحرم الزواج منهن كتحريم الزواج من الأخوات بالولادة ، والبنات ، والأم ، والأخوات إلخ ، كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ