١٧٠٣ ـ الجماع فى القبل لا فى الدّبر
فى الآية : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) (البقرة ٢٢٢) تأكيد على أن الجماع يكون فى القبل سبيل الحيض ؛ «واعتزال النساء» يعنى أن لا يجامعن أثناء الحيض : ثم يقول الله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة ٢٢٣) فإذا تطهّرت المرأة من الحيض فتؤتى فى موضع الحرث ، أى فى الفرج. وسبب نزول هذه الآية : أن المهاجرين كانت عادتهم أن يؤتوا النساء مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، بينما كان الأنصار يؤتونهن على حرف ، يعنى مضطجعات على الجنب ، فلما تزوج المهاجرون من الأنصار رفضت نساؤهن أن يؤتين مستلقيات فنزلت الآية. وقيل إن المهاجرين كانوا يجبون النساء ، يعنى يأتوهن من الخلف فى الفرج وهن راكعات ، فلم يعجب ذلك نساء الأنصار. والآيتان نصّ فى إباحة كل الهيئات فى الوطء طالما أنه فى موضع الحرث ، وقوله «أنّى شئتم» يعنى : من أى وجه شئتم ، سواء كانت المرأة مقبلة أو مدبرة. و «أنّى» تفيد الإخبار عن الجهة. غير أن جماعة من المفسرين. وفى الغالب من أصحاب الغرض ـ فسّروا «أنّى» بأنها «أين» ، واستخلصوا أن الوطء فى الدّبر مباح ، ونسبوا ذلك إلى بعض كبار الصحابة ، ومنهم مالك ، وابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وهو إفك وتخرّص. ومن ذهب إلى هذا الرأى ربما كان يعانى من الشذوذ ويفعل ذلك هو نفسه ، واحتجوا بالآية : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) (الشعراء) ، وفسّروها بأنه بدلا من أن تلتاطوا بالذكران التاطوا بالنسوان ، يعنى اجتمعوا بنسائكم فى الأدبار إن شئتم ، وهو تفسير غير صحيح ، فليس النهى عن الجماع فى الدبر مع الذكور ، لأنه أراد أن يستبدله بجماع فى الدبر مع الإناث ، وإنما أراد أن يستبدله بجماع فى الفرج ، حيث الفرج هو المأتى الطبيعى للجماع والذى يكون إتيانه حرثا ، وهذا لا يكون إلا فى الزواج ، والفرج موضع إنزال المنى تشبيها له بالبذور تحرث لها الأرض ، وعلى ذلك يكون الجماع مقصورا على موضع الولد. والعرب يردّون الرّتقاء التى لا يوصل إليها ، والتى تشكو ضيق المهبل حتى ليستحيل على الرجل أن يأتيها ، فلو كان الجماع ممكن فى الدبر بدلا من الفرج لما ردّوا الرتقاء. وأيضا لما احتاج أحد أن يطلّق العقيم التى لا تلد. والحكمة فى الزواج إذن بث النسل ، ومن ثم لا ينال النكاح غير موضع النسل. والوطء فى دبر المرأة يستوى فى الحكم والوطء فى دبر الذكران ، بل إن القذر والأذى بموضع النجو ـ أى الدبر ـ أكثر من دم الحيض ، ومن ثم يكون إتيان النساء فى الدبر أشنع ، ولا يقال إن الفرج به قذر البول ، لأن صمام البول غير صمام المهبل. والله تعالى حرّم الفرج حال النجاسة العارضة ، فالأولى أن