الدنيا الذى يذهبون إليه : المال» ، والمراد بالحديث : أن المال حسب من لا حسب له ، ومن ذلك حديث سمرة : «الحسب المال ، والكرم التّقوى» أخرجه أحمد ، باعتبار أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا ، وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع الصفات الباقية ؛ إلا أن المال إلى زوال ، ويبقى الدين والخلق ؛ والحسب بلا دين ولا خلق ، كشأن المال بلا دين ولا خلق. والحسب مطلوب حتى فى الحيوان : فيختار للتزاوج ما كانت له شجرة عائلة سليمة وعظيمة الصفات ، وكذلك عند التلاقح فى الحشرات ، وللتهجين فى النبات. ومن الصفات المطلوبة «الجمال» ، إلا أن الجمال بلا دين أو أخلاق مفسدة ، مثل المال والحسب والنسب ، فالدين والأخلاق هما الصفتان الحاكمتان والضابطتان لكل الصفات ، والمال بلا دين باب لارتكاب المعاصى والرذائل ، والحسب والنسب بلا دين طغيان واستبداد ، وإنزال للمظالم بالناس ، ولم يحث الحديث على طلب الجمال والمال والحسب والنسب ، وإنما طلب ذلك كله محروسا بالدين وبالأخلاق. والجميلة المطلوبة : هى الحسنة الذات ، والحسنة الصفات. والكفاءة فى الزواج : هى أن يتعادل الزوج فى كل ذلك مع الزوجة ، ومع ذلك قد يقارن بين زوج حسن الشكل ، وآخر عادى ولكنه متدين وعلى خلق متين ، فتختار الذكية الزوج المتدين متين الخلق ، على الزوج الجميل من غير خلق ولا دين يتميّز بهما ، وكان المقداد بن الأسود من الموالى وتبنّاه الأسود بن عبد يغوث الزهرى لما فيه من صفات رفيعة ، وتزوج المقداد ضباعة وهى هاشمية ، فلو كانت الكفاءة بالنسب فقط ، أو بالشكل فقط ، أو بالمال فقط ، لما تزوجته ، ولما جاز له أن يتزوجها ، لأنها فوقه فى النسب والمال والجمال معا. وقوله صلىاللهعليهوسلم : «فاظفر بذات الدين» أو «عليك بذات الدين» معناه : أن اللائق بذى الدين والخلق ، أن يكون الدين والخلق مطمح نظره فى كل شىء ، وخاصة فى شريكة عمره أو شريك عمرها ، فأمره النبىّ أن يختار فى الزوجة الصفات الذاتية ويؤثرها على الصفات العارضة. وفى الحديث عن عبد الله بن عمر عند ابن ماجة أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تزوّجوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن ـ أى يهلكهن. ولا تزوجوهن لأموالهن ، فعسى أموالهن أن تطغيهن ؛ ولكن تزوّجوهن على الدين ، ولأمة سوداء ذات دين أفضل». وقوله «تربت يداك» فى الحديث الأسبق أى التصقتا بالتراب ، أى افتقرتا إن لم تفعل ذلك. ومعنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هى التى يرغب فى نكاح المرأة من أجلها ، والدين أعظمها. وزواج المرأة لمالها إن اختاره مسلم لا ينبغى أن يكون بقصد أن يستمتع بمالها ، وإنما لما عساه أن يحصل له منها من الولد فيعود عليه ذلك المال بطريق الإرث ، أو لكونها تستغنى بمالها عن كثرة مطالبته بما يحتاج إليه النساء. والحديث فيه أن المقل يجوز له أن يتزوج المثرية ، وأن المثرى كذلك يجوز له أن يتزوج المقلة ، وعاب القرآن