فى النعمة. وربما قوله «خلقكم من نفس واحدة» يعنى من هيئة واحدة ، وشكل واحد ، و «جعل منها زوجها» أى من جنسها من البشر ، وقوله : «فلمّا تغشّاها» يعنى جامعها ، فكان حالها فى الجماع كأنها قد ألمّت بها غشية. والآية بهذا الإيجاز معجزة ، وتلخص أشياء كثيرة ، وقوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) هو أصل الحديث : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ـ أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» ، والحديث عن كل البشر ، وكذلك الآية عامة لكل البشر بعد آدم ، ودليل على أن الحمل كالمرض ، أو أنه فى أوله يسر ، وفى آخره كأن الحامل مريضة ، ولذا يكون الدعاء.
* * *
١٦٣٥ ـ الزواج مودة ورحمة
قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم ٢١) ، والمراد : أن الجنسين بالفطرة يتكاملان ، وكمال المرأة بالرجل ، وكمال الرجل بالمرأة ، والنفس ذات ، يعنى جوهرا وهوية ، والتوافق فى الزواج هو أن يكون الزوجان كالذات الواحدة ، وعند الفلاسفة أسطورة تقول : إنه فى البدء خلق الإنسان ، وكان وحده ولم يك معه أحد من نوعه ، ثم أنه أخطأ فعوقب بأن شقّ نصفين ، فكان منه إنسانان ، رجل وامرأة ، وكانا بعيدين ابتلاء ، فكل منهما بمنأى عن الآخر ، وعليهما أن يبحث كلاهما عن صاحبه ، وكلّ بحسب نيّته ، فمن كان صالحا عثر على صاحبته الصالحة ، ومن كان فاسدا ظل يختار لنفسه عن خطأ ولا يجد بغيته ونصفه الآخر المكمّل له. والقرآن يعبّر عن التوافق بمصطلح «السكينة» ، واصطلاح القرآن أروع وأعمق من المصطلح النفسى «التوافق» ـ وهو ضد «التخالف» ويعنى التقارب والتساند ؛ وأما «السكينة» : فهى الطمأنينة ، تقول سكن إليه أى ارتاح ؛ والسكن كل ما يستأنس به ، وهو الرحمة والبركة ، وتقول سكن عنه الوجع : فارقه ؛ وسكن الدار أقام فيها مطمئنا ، والساكن : هو الشاغل للعين استقرارا واطمئنانا. والزواج فيه كل ذلك إذا توافق الزوجان ، يعنى إذا كانا من هيئة واحدة ، ولهما التكوين النفسى المتشابه والمتآلف. فإذا سكنا إلى بعضهما تولدت المودة التى هى المحبة ، وعندئذ تتولد الرحمة بنفسيهما ، فيرحم كل منهما الآخر ، والرحمة أوسع من المودة ، والمودة أشمل من المحبة ، والود والوداد هو المحبة الكثيرة ، والودود هو الكثير الحبّ ؛ وأما الرحمة : فهى الرقة ، والشفقة ، والعطف ، والعفو ، والمغفرة ، والإحسان ، واشتقاقها من اسمه تعالى «الرحمن الرحيم» ، ومنه اشتقاق الرحم ، لأنه لا أرحم بالإنسان بعد الله من الرحم أى الأمّ ، والذى قال إن الرهبوت خير من الرحموت ،