الإياس ، وهو مشكلة المشاكل بالنسبة للمرأة ، وأكبر المسببات للنسيان. والنسيان فى الاصطلاح : هو ترك الشيء تهمله الذاكرة أو تغفله عن ذهول ، وهو طبيعى فى الذكور والإناث ، إلا أنه أشد فى الإناث ، وأسبابه عندهن عضوية غالبا ، وقد علمنا دوافع ذلك من الحيض والجماع والحمل والولادة والرضاع ... إلخ ، إلا أن النسيان النفسى عند المرأة يكاد يميّزها عن الرجل ، والفرق بين نسيان المرأة العضوى والنسيان النفسى ، أنها فى النسيان العضوى تتعطل قدرات الذاكرة عندها عن التسجيل والاحتفاظ والاستدعاء معا ، بينما تتعطل فقط قدرة الذاكرة عن استدعاء الخبرة فى النسيان النفسى.
ولكل ما سبق فإن الله تعالى قد فرض فى الشهادة الشفوية أن تكون لرجلين ، فإن لم يكونا رجلين فلرجل وامرأتين ، وجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ، والسبب علمى محض كما رأينا ، وليس فيه افتئات على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، وذلك مفهوم النقص العقلى فى الحديث. ثم إنه بسبب الحيض والحمل والولادة والرضاعة أعفى الله تعالى المرأة من الصلاة والصيام ، وهذا تكريم ما بعده تكريم ، وهذا الإعفاء دوافعه علمية خالصة لا دخل فيه لاعتبارات تمس كرامة المرأة من بعيد أو قريب ، ومثل المرأة فى ذلك مثل المريض الذى يسمح له بالصلاة نائما على ظهره أو جالسا ، أو مثل الذى يؤذن له بالتيمم دون الوضوء ، أو بالإفطار فى رمضان ، ويستحب لكل هؤلاء أن يكثروا من التصدّق ، تعويضا عمّا انتقصهم مما تصلح به صلاتهم أو ينصلح به صيامهم ، فلذلك يعظ الرسول صلىاللهعليهوسلم النساء بأن يكثرن من التصدّق تعويضا عما فاتهن من أجر الصلاة والصيام اللذين اضطررن إلى تركهما غصبا عنهن فى قوله : «تصدّقن وأكثرن» ، وليس فى الحديث ـ كما رأينا ـ أى انتقاص للمرأة من ناحية دينها ، ولا من ناحية ملكاتها الذهنية وذكائها وحقوقها كمواطنة تتساوى فى ذلك مع الرجل عموما ، وساوى القرآن بينهما وقرن ذكر المؤمنين بذكر المؤمنات ، متعادلين فى الحقوق والواجبات إحدى عشرة مرة ، فالمؤمنون أولياء للمؤمنات ، والمؤمنات وليّات المؤمنين (التوبة ٧١) ، ووعد الله الجميع التوبة ، مؤمنات ومؤمنين ، سواء بسواء (الأحزاب ٧٣) ، وتوعّد من يجترئ عليهم أو عليهن (الأحزاب ٥٨) ، وقضى أن لا يصيبهم أو يصيبهن مكروه ، بل إنه تعالى قد ساوى فى الأهمية والقيمة بين تسعة من المؤمنين واثنتين من المؤمنات ، وفى هؤلاء كما يقول جنيد بن سبيع ـ نزلت الآية : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) (الفتح ٢٥) ، وكان جزاء من فتنوا المؤمنات والمؤمنين من أصحاب الأخدود العذاب والتحريق (البروج ١٠) ، وحرّض الله تعالى المؤمنين أن لا يرجعوا المؤمنات إلى الكفّار إذا هاجرن من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وقال : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) (الممتحنة ١٠) ، وأمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لهم ولهن فلا فرق (محمد ١٩) ؛ وعند الحساب يدخل المؤمنات الجنة كالمؤمنين ولا اختلاف (الفتح ٥) ؛ وفى