قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) (٣٢) (النمل)؟ ولقد بيّن القرآن أن خاصة قومها ممن جمعتهم للمشورة قضوا بأنها الأحكم والأعقل ، وردّوا عليها قائلين : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) (٣٣) (النمل) ، فلمّا تأكّد لبلقيس ظنّها فى سليمان قالت : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤) (النمل) ، وواضح من النصّ القرآنى أن الإسلام يعلى من قدر هذه المرأة ، وقد خلصت إلى ما خلصت إليه ، مما أعوز قومها ، وينبّه إلى كمال عقلها واكتمال دينها معا!
ومريم ابنة عمران قال فيها القرآن أجمل القول ، ووصفها أحسن الوصف ، فقال إنها كانت من القانتين (التحريم ١٢) ، فاستحقت أن تحمل بكلمة الله تعالى ، وكان حملها آية (المؤمنون ٥٠) ، أى حجّة قاطعة على قدرته تعالى قدرة مطلقة ، فلقد خلق الله آدم من غير أب ولا أم ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق المسيح من أنثى بلا ذكر ، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى ؛ ونبّهت الآيات فى القرآن إلى ما يقال فى مريم من بهتان عظيم (النساء ١٥٦) ، وإلى أن اختيارها لمهمة الحمل فى المسيح كان اصطفاء لها على العالمين ، ولو لا أنها كانت أطهر العالمين ما اصطفاها لهذه المهمة (آل عمران ٤٢). وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى ، عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، يجيء عن مريم : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». وهؤلاء جميعا كن ممن جاء فيهن وصف الله تعالى لفضليات النساء عموما : (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ) (التحريم ٥) فأين نقص العقل ونقص الدين فى هؤلاء وأولئك وهن الكاملات؟ ثم إن الله تعالى وقد ضرب المثل على الكمال فى النساء بامرأة فرعون ، وبمريم (التحريم ١١) ، فقد ضرب النبىّ صلىاللهعليهوسلم المثل على الكمال فى النساء المسلمات بخاصة ـ بخديجة ، أعظم امرأة عرفها التاريخ ، ظاهرت زوجها واحتملت معه عذابات الدعوة ، وبعائشة التى وصفها صحابة الرسول فقالوا : إنها كانت أعلم النساء ، ولو جمع علمها إلى علم نساء زمانها لكان علمها الأفضل! بل كانت أفقه وأعلم وأحسن الناس رأيا ، وكانت الأعلم بالحلال والحرام ، وقال فيها المقداد بن الأسود : ما كان أحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلم بالفريضة من عائشة رضى الله عنها»! وعن أبى موسى قال : ما كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشكّون فى شىء إلا سألوا عنه عائشة فيجدون عندها من ذلك علما». وروى مسروق : أن مشيخة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا يسألونها» ، وكانت عائشة مدرسة وحدها ، فهل كانت ناقصة عقل ودين؟!! وإنما عنى الرسول صلىاللهعليهوسلم بهذا الحديث صنف النساء اللاتى حذّر منهن ابن لقيط بن صبرة لمّا اشتكى