فسّاق أهل المدينة كانوا يخرجون بالليل إلى الطرق حين يختلط الظلام ، فيعرضون للنساء ، فإذا رأوا المرأة عليها جلباب عرفوا أنها مسلمة فكفّوا عنها ، وإذا لم يكن عليها جلباب وثبوا عليها. والجلباب فى الحديث عن عمر برواية البزار ـ كان شبرا بعد الركبة ، فطلب النساء من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يطيله أكثر ، بدعوى أن ذلك يعتبر قصيرا ، فأطاله إلى ذراع بعد الركبة فلم يعجبهن أيضا وطلبن أكثر ، بحجة أن القدم ما تزال عارية ، فرفض أن يزيد عن ذلك. وفى الحديث برواية ابن سعد اشترط الرسول صلىاللهعليهوسلم فى الجلباب أن لا يكون رقيقا كاشفا يصف العظام. وفى الحديث عن أسامة بن زيد قال : «مرها تجعل تحته ـ أى الجلباب ـ شيئا لئلا يصف». وبعض الفقهاء يفسّر الخطاب فى الآية : (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) (٥٩) (الأحزاب) أن مضمونه زوجاته وبناته صلىاللهعليهوسلم ، وحرائر النساء دون الإماء ، إلا أن معنى المؤمنين لا ينصرف إلى السادة دون العبيد ، والمؤمن يمكن أن يكون سيدا أو عبدا طالما هو فى طاعة الله وتقواه ، ويلتزم أوامره ونواهيه ، فلما ذا إذن إخراج الإماء من مقصود الخطاب ـ وهن مؤمنات وأزواج لمؤمنين؟ والتفسير إذن خاطئ ، وأخطأ سفيان الثورى عند ما قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة ، وقال إن النهى عن النظر إليهن لخوف الفتنة لا لحرمتهن!!! وهو خطأ شنيع فى التفسير لأنه جعل دافع النظر إلى المسلمات كونهن مسلمات ، فإذا لم يكنّ كذلك ارتفع التحريم!! والدافع فى الآية هو إثم النظر ومخافة الفتنة وليس من يقع به الإثم. ومعيار الثورى فى معنى التحريم مزدوج ، والإسلام لا يعرف المعايير المزدوجة ، فالحرمانية ارتباطها بالجرم نفسه وليس بالأشخاص ، وشبيه بذلك فعل عمر بن الخطاب مع الإماء ، فكان ـ كما تروى صفية بنت أبى عبيدة ـ إذا التقى بأمة مخمرة متجلية يأمرها أن لا تتخمّر ولا تتجلبب حتى لا تكون شبيهة بالمحصنة!! وكأن الأمة المسلمة لا يهمّ أن لا تكون محصنة؟ وهو منطق غريب! وعن أنس بن مالك قال : كان إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن يضرب أثداءهن!! روى ذلك البيهقى. وكأن المطلوب منا أن نصدق أن عمر الذى كان يرقّع ثيابه ولا يجد ما يطعمه كانت عنده إماء!؟ والحديث يصادم الإسلام بشدّة ، فالإسلام هو الدين الذى يساوى بين الجميع ، ويعارض الرقّ ويعمل على تصفيته. ثم إن ما وصفه أنس فيه قبح ولا أعتقد أن عمر كان ذلك مفهومه. وأمثال هذه الأحاديث عند أنس وغيره متهافتة وضعيفة ، ولا يؤيدها المنطق ، وتجافى روح الإسلام ، فكونى ذكية أريبة أختى المسلمة ، واستفتى قلبك ولا تصدّقى كل ما يشاع عن دينك!
* * *