واستنصر النبىّ صلىاللهعليهوسلم أصحابه عليه ، واعتذر سعد. وفى الحديث الآخر أن غيرة الله أن يغضب من اجتراء عبده أو أمته على الزنا أو ارتكاب الفواحش. وكانت عائشة رضى الله عنها تغار على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكانت جلّ غيرتها من خديجة مع أنها توفيت قبل زواج عائشة من النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، إلا أن غيرتها كانت من مجرد تذكّره لها ونطقه باسمها! وكانت عائشة فى غيرتها تغضب حتى لتهجر اسم محمد فلا تقول كما هى عادتها «وربّ محمد» ، وإنما تستبدل ذلك بقولها «وربّ إبراهيم» ، فدللت على أن العاقل يسلب بالغيرة اختياره وتمييزه وهدوء نفسه ورباطة جأشه ، وإن كانت محبته مع ذلك تظل باقية ، كما يقول الشاعر :
إنى لأمنحك الصدود وإننى |
|
قسما إليك مع الصدود أميل |
ومراد عائشة أنها كانت تترك التسمية اللفظية للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، ولا يترك قلبها التعلّق بذاته الشريفة وهو محبوبها ، مودة منها ومحبة ، وهذه هى الغيرة الحانية.
* * *
١٦٠٣ ـ معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : اتقوا النساء؟
عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال : «اتّقوا الدنيا واتّقوا النساء ، فإنّ إبليس طلّاع رصّاد ، وما هو بشيء من فخوخه بأوثق لصيده فى الأتقياء من النساء» رواه الديلمى بطريق معاذ ، وغاية الحديث التحذير من شهوات الدنيا ، وأشرّ شهوات الدنيا شهوة الجنس ، فما من غواية لإبليس يمكن أن تنجح مع التقىّ والتقيّة على السواء مثل غواية الجنس ، وقوله : «اتقوا النساء» كقوله : «اتقوا الدنيا» ، ولن نتّقيهما بأن ننفى أنفسنا من الدنيا وننتحر ، أو نعاف الجنس ونترهّب ، وإنما الاتقاء هو التحذير منهما ، ومن ارتياد ملاذهما ، والإقبال عليها ، والاستغراق فيها ، كما فى قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (آل عمران ١٤) ، والجنس من الشهوات ، وهو المشار إليه بالنساء ، وقد ثبت فى الصحيح أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ما تركت بعدى فتنة أضرّ على الرجال من النساء» ، يقصد بالنساء الجنس ، وإلا فالنساء هن أمهاتنا ، وعمّاتنا ، وخالاتنا ، وبناتنا ، وأخواتنا ، وهؤلاء لسن فتنة ، والمقصود أن لا نأتى الجنس إلّا إعفافا فى الحلال ، فذاك هو المطلوب المرغوب فيه والمندوب إليه ، كما فى الأحاديث التى ترغّب فى الزواج ، وقد ورد عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ـ مما أخرجه النسائى ـ قوله : «الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة : إن نظر إليها سرّته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن غاب عنها حفظته فى نفسها وماله» ، وقوله فى الحديث الآخر عن أبى هريرة : «خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرّتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك فى مالك