فى الجنة وقتلاهم فى النار؟ قال : «بلى» ، ثم قال : «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» ، يعنى للشهداء فى سبيل الله. وفى الحديث : أن لا نقول عن فلان أنه مات شهيدا : «ولكن قولوا : من مات فى سبيل الله أو قتل فهو شهيد» وقال : «الله أعلم بمن يجاهد فى سبيله». رحم الله شهداءنا وأثابهم عنا خير الثواب.
* * *
١٥٨٥ ـ الشهداء أحياء عند الله
نهى الله أن يقال عن الشهيد أنه ميّت ، قال : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١٥٤) (البقرة) ، وقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) (آل عمران). ولا محالة أنهم ماتوا ، وأن أجسادهم فى التراب ، غير أن أرواحهم حية ، وهى حية كأرواح غيرهم من المؤمنين ، إلا أنهم فضّلوا بالرزق فى الجنة من وقت القتل ، بينما المؤمنون موتى حتى يحين الحساب ، فكأن حياة الدنيا ما تزال للشهيد ، مع فارق أنها حياة فى الجنة. قيل : نزلت هذه الآيات فى الشهداء لئلا يزهد الناس فى الجهاد ، ولا ينكلوا عند الحرب. وقيل : نزلت هذه الآيات تنفيسا عن أهل الشهداء وإخبارا عن حالهم عند ربّهم. ومعنى أنهم أحياء يرزقون ، أنهم يجدون ريح الجنة وينعمون ، وقد استحقوا التنعّم ، كقولنا فى الأمثال ما مات فلان ، ـ أى ذكره حىّ ، وكقول الشاعر :
موت التقىّ حياة لا فناء لها |
|
قد مات قوم وهم فى الناس أحياء |
ولذلك قيل الشهداء يرزقون فى الدنيا الثناء الجميل ، وعند ربهم حسن الجزاء. وقيل : إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والشهداء والعلماء ، والمعنى ليس على الحقيقة ولكنه على المجاز : أن ذكراهم باقية لا تفنى ، وأما الأجساد فتفنى ، فذلك قانون الله فى الأرض ، وكذب من قال إن جسد النبىّ صلىاللهعليهوسلم لم تأكله الأرض ، فالرسول بشر من بشر ، وهذا هو قانون الموت لا فكاك منه ، وفى الرواية أن الرسول لمّا مات يوم الاثنين ودفن يوم الأربعاء ، كان جسمه قد انتفخ وعلا صدره ، وانتفخت أصابعه ، وصارت له رائحة ، فذلك لأنه بشر ، وأما عند الله فالأمر مختلف : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤) (العنكبوت) ، والجبّانات كفات الأموات ، والبيوت كفات الأحياء ، وأما الشهداء والأنبياء فهؤلاء أحياء حكما. والشهداء يغسّلون لو تيسر ذلك ، ويصلّى عليهم ؛ وقيل : لا يغسّل من مات فى المعترك ، ومن قتله البغاة ، والواجب عقلا غسل كل ميت والصلاة عليه طالما هو مسلم.
* * *