(١١٨) (آل عمران) ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) (٥١) (المائدة) ، وتقدير الآية : أن لا يتخذ المسلمون من أعدائهم أصدقاء وإخوانا وأحلافا ، إن كانوا حقا على الإسلام ، فما ينبغى لمسلم أن يوالى عدوا له فى دينه ، ولا أن يلقى إليه بالمودة ، ومن يوافق عدوه فى الدين ، ويسرّ إليه ويكاتبه ، يخطئ قصد السبيل ، لأنه يكون جاسوسا ، وهو أشرّ ما يبتلى به أهل مجتمع من المجتمعات : أن يساكنهم إنسان ويعاشرهم ويضمر فى نفسه الخيانة لهم والغدر بهم ، ويمالئ أعداءهم ، وحتى لو كانت للجاسوس تعلّة ، بأنه من أصول الأعداء ، وله بهم قرابة ، فلا يجيز له ذلك أن يخابرهم ، فالعدو عدو ولو كان قريبا ، كقوله تعالى : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (٢) (الممتحنة) ، إشارة إلى ما يناله المسلم من التعذيب ومحاولات غسل المخ إذا اشتغل مع أعداء الله وأعدائه جاسوسا ، ولن يتورعوا أن يسلّطوا عليه فيضرب ويشتم ، ولن يترك لحاله إلا لو كفر ، فهذا هو ما يريدون من المسلمين : أن يكفروا بلا إله إلا الله.
والحكم فى الجاسوس : أنه إن كان لدنيا يصيبها وليس كفرا بالله كما كان حال حاطب ، ولم ينو الرّدة عن الدين ، عفا عنه إذا أظهر التوبة وأقرّ بالذنب ، ويستبعد بعد ذلك عن أية أسرار ، وأما إذا كانت عادته التجسس والخيانة والغدر ، فجزاؤه القتل لإضراره بالمسلمين وسعيه فى الفساد فى الأرض. وحاطب عفى عنه لأنه أخذ فى أول فعلة ، وأقرّ وتاب وأناب. وإذا كان الجاسوس حربيا من الأعداء وعلى غير الإسلام يقتل. وروى علىّ بن أبى طالب : أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أتى بعين لأعداء الله اسمه فرات بن حيّان ، فأمر به أن يقتل ، فلما صرخ فى الناس : أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! أمر به النبىّ صلىاللهعليهوسلم فخلّوا سبيله وقال : «إنّ منكم من أكله إلى إيمانه ، منهم فرات بن حيّان».
* * *
١٥٥٨ ـ الذين يخاف منهم الخيانة فى الحرب
حكم القرآن عند الخوف من خيانة قوم لنا بهم عهد ، وعلمنا منهم نقضه ، أن لا نوقع بهم إلى النقض حتى نلقى إليهم أننا قد نقضنا العهد والموادعة ، فنكون وإياهم فى علم النقض مستويين ، كقوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨) (الأنفال). وهذا الحكم من معجز ما جاء فى القرآن مما لا يوجد فى الكلام مثله ، لاختصاره وكثرة ما به من المعانى. فأما إذا لم يكن للعدو عهد فينبغى أن يتحيّل عليه بكل حيلة ، وأن تدار عليه كل خديعة ، وفى الحديث : «الحرب خدعة».
* * *