تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٥) (لقمان) ، وفى الثالث قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥) (الأحقاف). وفى الآيات الثلاث الوصية بالوالدين عامة لكل الناس ، وكل آية لها مجالها وأسبابها للتوصية بهما. والحسن فى الآية الأولى نقيض القبح ؛ والإحسان فى الآية الثالثة نقيض الإساءة ، وشرط معاملة الأبوين أن تجمع بين الحسن والإحسان ، وأسباب هذه التوصية يعدّدها الله تعالى فى الآيتين الثانية والثالثة ، فالأم فى الآية الثانية تحمل فى طفلها ـ وهى أصلا ضعيفة البنيان ، وكلما كبر الجنين فى بطنها زاد أخذه من غذائها فازداد ضعفها. وفى الآية الثانية تحمله الأم كرها وغصبا ، وتقاسى المشقة من الوحم ، والتعب من الغثيان ، والكرب من الثقل ، وتضعه كرها عنها ، وفى مشقة ، وتعانى الطلق وآلام وعسر الولادة ، ويذكر الوهن فى الآية الثانية مرتين ، والكره فى الآية الثالثة مرتين ، تأكيدا على ما تقاسيه الأم ، فحقّت التوصية بها ؛ ثم إنها فى الآيتين تتعهده بالرضاعة فلا يفطم عنها مدة عامين أو أقل من ذلك أو أكثر ، وتحمله وترضعه مدة ثلاثين شهرا ، فأى عناء تتحمل الأم ، وأى مشقة تبتلى بها! وفى الآية الثالثة تنبيه إلى ما يسمى فى علم النفس بالرضاع النفسى ، ولو اعتقدنا أن علاقة الإنسان بأمه هى علاقة حمل ورضاع ، وأنها إذا ولدته وقطع الحبل السرّى بينهما ، انقطعت صلة الأم بطفلها ، فإننا تخطئ أيّما خطأ ، فالحبل السّرى النفسى مستمر ، والعلاقة النفسية بين الأم وطفلها قائمة وعلى أشدّها وإن اختلفت نوعيتها ، ولا تضعف هذه العلاقة إلا وابنها قد بلغ الأربعين وأنجب الأولاد ، وعندئذ تلتفت الأم إلى أحفادها توليهم رعايتها كرعايتها لابنها طفلا. والأب أثناء ذلك يشارك الأم فى أعباء التنشئة والتربية ، ويتعهدها بالنفقة ، فهذا هو فضل الأبوين بعامة ، والأم بخاصة ، فاستحقا أن يوصى الله تعالى بهما. ولا يدرك الإنسان هذا الفضل لهما ولله تعالى إلا فى سن تمام النضج ـ فى الأربعين ، فيشكر لهما والله ، ويدعو لأولاده أن تكون لهم الرعاية التى كانت له من أبويه ومنه تعالى ، فكأن الإنسان يدرك ربّه ويدين له بالفضل ، لو أدرك دور أبويه وشكر لهما ، ومن لم يحمد لأبويه فلن يحمد لربّه ، إلا أن يجاهده الأبوان فى إيمانه بالله فعندئذ لا طاعة لهما ولا حمد ، وذلك ما تضمنته الآيتان الأولى والثانية دون الثالثة. والآيات الثلاث فيها التنبيه لدور الأسرة باعتبارها وحدة المجتمع ونواته ، ويجعل لها مرجعية تعليم الطفل ، بأن له إله خالق يرعاه وأبويه ، وفى الآيات الثلاث تأكيد على دور الأبوين معا فى التنشئة والتربية ، وأن يكونا على وفاق حتى ينمو الطفل عارفا بفضلهما وفضل ربّه ، ويتعين بدوريهما التعين