(ق) ، وما لديه هو كتاب عمله ، وقوله ألقيا مثنّى ، لأن كل امرئ ليس له قرين واحد من الملائكة ولكنهما «قرينان» : السائل والحافظ. والملك بالطبع يتجاوز مجالى الخير والشرّAmorality ، ولا يحكم بهما على ما يفعل أو يقول.
وقد يعنى القرين «الصاحب من البشر» ، كقوله تعالى (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) (٥٦) (الصافات) ، وكان قرينه هذا يوعز إليه بالكفر ، فلما كانت الآخرة سأل عنه ووجده فى النار ، فقال مقالته فيه : أنه كاد يضله لو لا ستر الله.
وقد يعنى القرين الشيطان ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٣٦) (الزخرف) ، والعشا هو العمى الليلى ، وهو فى الآية العمى إطلاقا ، والشيطان إذا قيّض كقرين يصاحب قرينه فى الدنيا فيمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة. وفى الخبر أن الكافر يشفع بشيطان ، والمؤمن يشفع بملك ، فهما للكافر والمؤمن قرينان. والقرين إذن يمكن أن يكون قرين سوء أو قرين خير ، ويأتى فى التنزيل ثمانى مرات بمعنى قرين السوء : (فَساءَ قَرِيناً) (٣٨) (النساء). وفى علم النفس كذلك يأتى القرين غالبا فى مجال الشر ، والقرناء هم الشلّة أو العصابة ، والأمر بينهم على السواسية ، وهم جميعا على الآخرين عصبة.
* * *
١٤٤٤ ـ الإنسان بفطرته هلوع جزوع وللخير منوع
من صفات الإنسان الدنيّة : الهلع ، والجزع ، ومنع الخير ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١) (المعارج) ، وهذه صفات مركوزة فى النفس ، قال أهل التحليل النفسى : إنها من مخلّفات مراحل النمو النفسى الجنسى ؛ وقال أهل علم النفس الجينى : إنها صفات فى الفطرة أو الجبلّة ؛ وقال أهل الطب النفسى إنها من آثار اللاشعور الجمعى والوراثة والبيئة. والهلع فى اللغة أشد الحرص ، وهو أسوأ الجزع وأفحشه ، ولا يصبر الهلوع على خير ولا على شر ؛ لأنه جزوع ، أو أنه يصيبه الجزع من الهلع ؛ والجزوع هو الضّجور وهو شديد الضجر ، والضجر القلق من الغمّ وضيق النفس ؛ والمنوع الذى يمنع الخير عن الناس وينازع عليه ويحرمهم منه. وقيل الهلوع هو الذى إذا مسّه ما يكره انتابه الجزع الشديد ، وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس ، وفى الحديث : «شرّ ما أعطى العبد شحّ هالع وجبن خالع» ، وهذه علامات غير سوية لنفس غير