جسمه عن الأرض الساخنة ، ويحميه الكلكل تحت صدره ، والوسائد على مفاصل أرجله من حرارة الرمل وخشونته إذا برك ، وبوسعه أن يغلق عينيه ومنخريه ، ويلصق ذيله بجسمه ، ويسير كالدبابة لا يبالى الرياح الذاريات ، ومن أجل ذلك أطلقوا على الإبل أنها «سفن الصحراء» ، ويسمح لها طول أعناقها أن تقتات من نبات الأرض وفروع الشجر العالية ، وتمكّنها شفتاها المتحركتان والقابضتان ، وانشقاق شفتها العليا ، من لمملمة الأوراق من بين الأشواك ، وتساعدها أخفافها على السير فوق الرمل الناعم من غير أن تغوص أرجلها فيه ، ولا تتلف بها التربة كحوافر الماعز والبقر. وأعجب ما فى الإبل صبرها على العطش أكثر من أسبوعين فى الصيف ، وأكثر من شهرين فى الشتاء ، وبوسع الجمل أن يقطع ألف كيلومتر دون أن يشرب ، وإذا طال حرمانه من الماء فإن عملياته الفسيولوجية والمناخ من حوله قد يفقدان من المياه فى جسمه ما يعادل نحو ثلث وزنه ، ومع ذلك يستمر صامدا ، وهو شىء خارق ومذهل معا! ولذلك فإنه إن وجد الماء ظل يشرب منه كمية هائلة فى زمن قصير ، حتى أنه لينتهى من شرب مائتى لتر من الماء فى ثلاث دقائق! وصدق الله تعالى وهو يصف شرب الناس فى الجحيم فيقول : (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (٥٥) (الواقع) ، والهيم والهيام (بالكسر) هى الإبل العطاش. وأعجب ما فى الإبل قلّة عرقها إلى أدنى حدّ ، لأن كبر حجم الجسم يقلل من حرارته ، ووجود الدهن فى السنام ، يرقّق الجلد ويسهم بتبدّد حرارة الجسم فى الليل ، وفى الصيف يسقط الوبر ولا يبقى منه إلا ما يحمى الجسم من الحرارة الأسخن ، وللعرق بالتبخر ، وتبخّره فى الإبل من الجلد لا من أطراف الشعر كالثدييات ، وذلك أجدى لها ، فإذا اشتد الحر زاد العرق لتبريد الجسم ، ولا تعمل أجهزة ضبط حرارة الجسم فى الإبل طالما الحرارة لا تزيد عن ٤١ درجة مئوية ، فإذا زادت دفعت غدد العرق إلى العمل لتتوازن حرارة الجسم. والماء الذى يسحبه البعير عند اشتداد درجة الحرارة يسحبه من أنسجة الجسم وليس من الدم ، وبذلك يظل الدم سائلا فى العروق فى دورته المعتادة ، فينجو البعير من ضربة الشمس ومن الموت عطشا. ومن أجل ذلك لمّا حدث الجفاف فى إفريقيا الشرقية عامى ١٩٨٤ و ١٩٨٥ هلكت القبائل التى تعيش على الأبقار ، لأن الأبقار نفقت ولم تقو على العطش ، وعاشت الإبل لأنها استطاعت أن تصمد الشهور الطوال ، وكانت تجود مع ذلك بألبانها ، ولم يقتل الجفاف القبائل التى تعيش على تربية الإبل. ومن هذا يتبين سرّ تنبيه الله تعالى إلى الإعجاز فى الإبل ، ولما ذا جعل الناقة معجزة النبىّ صالح ، وكانت تكفى قومه كلهم وتعيشهم ، واشتهرت لهذا أيضا ناقة النبىّ صلىاللهعليهوسلم «القصواء» كما لم يشتهر حيوان لنبىّ أو لواحد من المشاهير ، ولهذا فإن الناس لمّا نزلت الآية الكريمة تلفت النظر إلى