الأوتار فى الجناحين. وتتراوح مناورات الطيور بين الانزلاق إذا أرادت الهبوط ، والرفيف إذا أرادت الارتفاع ، والبسط والقبض أثناء التحليق. ويعبر القرآن عن هذا الإعجاز فيقول : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧٩) (النحل) ، «والمسخّر» : هو المذلّل لأمر الله بقوانين الله ، وأنفذها بالقدرة ؛ و «جو السماء» : هو الجو بين السماء والأرض ، نسبة إلى السماء لارتفاعها عن الأرض ، والعلماء يسمونه «نطاق الأرض» أو «نطاق المناخ» ؛ و «إمساك الله» : يكون فى حال قبضها وبسطها واصطفافها ، وهذه دلائل على علمه تعالى وقدرته ، وأنه واحد لا إله إلا هو ، وأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم هو المبلّغ لرسالته ، وصدق فى تبليغه ، فجاء مطابقا للواقع ولا يخالف العلم والكشوف فى شىء. والتنبيه فى الآية إلى أن الطيور ، وهى من الفقاريات البيوض ، أمكنها الله الطيران ـ وهو هذا الفعل المعجز ـ بالريش يكسو جسمها ، بل إن الريش نفسه معجز ، ومنه يصنع الناس زينة الملابس كقوله : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) (٢٦) (الأعراف) ، أو أن اللباس بالنسبة للإنسان كالريش بالنسبة للطيور ، وهو ستر وحفظ وزينة ، وكالوبر والأصواف بالنسبة للحيوان ، والله تعالى أمر بالتزيّن فقال : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣١) (الأعراف) ، فلكل شىء ، ولكل مناسبة ، ولكل مخلوق زينة ، وضرب الله تعالى لنا المثل بالطيور ، والزينة يحضّ عليها ولا يحرّمها : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) (٣٢) (الأعراف) ، وريش الطيور مختلف ألوانه ، واختلاف الألوان فى كل المخلوقات آية كما قال : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) (٢٢) (الروم) ، وقال : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) (١٣) (النحل) ، وقال : (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) (٢١) (الزمر) ، وقال : (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) (٢٧) (فاطر) ، وقال : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٢٧) (فاطر). فالألوان آية : والطيور هى أجمل مخلوقات الله فى الألوان ، والذكور أجملها فى تلك الألوان ، وتزهو هذه الألوان فى فصل التزاوج. وأصوات الطيور آية كالألوان ، وتغريدها أنغامه من أمتع الأنغام ، وأصواتها تتباين ، فلكل جنس من الطيور لغة كأجناس البشر ، والقرآن يسمّى لغة الطير «منطق الطير» ، فقال : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (١٦) (النمل) ، لأن ما يأتيه الطير من الأصوات ينطق به ، أى يصدر عنه صدورا فهو ليس كلغة الإنسان أو أى من أجناس البشر ، غير أن منه الأصوات للتحذير ، وللغزل ، وللتزاوج ، ولطلب الطعام ، بل إن الطائر ليعبر عن نفسه بأن يجعل لجسمه هيئة معينة ، ويشكّل ريشه بأشكال معينة ، عند الغضب ، والغزل ، والقتال ، وله أصوات يصدرها بأعضائه ، كالأصوات بالجناحين ،