يجتمع الماء والنار؟ ولم يحلّ هذا الطلسم إلا علماء البحار فى القرن العشرين ، فقالوا إن جميع المحيطات والعديد من البحار قيعانها مسجّرة بالنيران ، وهى الحقيقة التى ذكرها القرآن منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة! وقوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) (التكوير) قسم آخر يبيّن أن البحار يوم القيامة تسجّر ، أى تزداد نيرانها ، وتغلى حتى لتفيض على بعضها البعض فتصير بحرا واحدا ، فيرتفع الحاجز الذى ذكره الله يفصل بين البحار بعضها البعض ، وبينها وبين المحيطات والأنهار ، فهذا عذب ، وذاك مالح ، وذاك أكثر ملوحة ، فالبحر الأسود مثلا من أقل البحار ملوحة ، والبحر المتوسط أشد ملوحة ، ويوم القيامة تختلط الأمور إذا سجّرت القيعان وغلت المياه وفارت. ولفظ «سجّرت» من قولنا : «سجرت التنور» أى أحميته ، إذا سلط عليه الإيقاد ، فتجفّ رطوبته ، وهكذا البحار ، تجف رطوبتها وتشتعل نيرانا ، وهو ما نعرفه الآن عن قيعانها ، فسبحانه ما أقدره! ولو لا العلم الحديث ما عرفنا ما بهذه الآيات من علم كثير ، وذلك دليل على أن القرآن من عند الله ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسوله حقا. والحمد لله على نعمة القرآن ، ونعمة الإيمان.
* * *
١٣٩١ ـ حواجز البحار
من الإعجاز العلمى للقرآن قوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) (٦١) (النمل) ، والمفسرون أوّلوا الحاجز بأن الأنهار عند ما تصب فى البحار فإن ماء النهر العذب لا يختلط به ماء البحر الأجاج ، وهذه ظاهرة نجدها عند مصبات الأنهار ، ولكن العلم الحديث ذهب مذهبا آخر ، فبيّن أنه فى البحر الواحد تكون عدة بحار بعدة ألوان ، وظهر ذلك من تصوير البحار من الجو ، وحلّل العلماء تلك المياه فوجدوا أنها قطع مياه متجاورة منعزلة عن بعضها البعض ، وبرغم تجاورها ، إلا أن كل بقعة منها لها من الصفات الطبيعية والكيميائية والبيولوجية ما يجعلها تشكّل وسطا منفصلا من المياه ، وتبين أن ذلك يصدق على المياه فى المستويين الأفقى والرأسى ، وسبب ذلك أن أملاح البحار توجد متأيّنة ، فتتكون عند حدود كل ماء شحنات متنافرة ، من شأنها أن تكون فاصلا بين هذه المياه ، فتتغير بذلك البيئات البحرية ، فتصلح أحوالها لأنماط مختلفة من الحياة فى الوسط المائى الواحد ، فسبحان ربّ العرش العظيم! وهذه الحقيقة العلمية أثبتها القرآن قبل الكشوف العلمية بألف وأربعمائة سنة ، وهو دليل على أن القرآن كتاب الله ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم نبىّ الله حقا وصدقا.
* * *
١٣٩٢ ـ يوم الله مقداره ألف سنة بحسابنا
فى الآيتين : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) (الحج) ، (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٥) (السجدة) ، أن اليوم الواحد عند الله بألف سنة قمرية ،