شديدا عند خط الاستواء ، وتبيّن للعلماء ، أن الوهج الذى يرى فى ظلمة الليل هو نتيجة لارتطام الأشعة الكونية بالغلاف الغازى فيرى هذا الوهج عند القطبين وما جاورهما حيث يرقّ الغلاف ، ولا يرى فى أجزاء الأرض لأن سمك حزامىّ الإشعاع فيها يردّ تلك الأشعة فلا يظهر لها الوهج الذى يرى عند القطبين ، والغالب أن هذين الحزامين تكوّنا للأرض على مرّ الزمن ، وقبل ذلك كانت الأرض تضاء ليلا بارتطام الأشعة الكونية بالغلاف الغازى ، وتضاء نهارا بالشمس ، ثم إن الله لمّا خلق الحياة على الأرض خلق معها حزامىّ الإشعاع لحماية الحياة فيها ، ويفسر ذلك الآية : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) (١٢) (الإسراء).
١٣٨٣ ـ الليل والنهار الآن وعند بداية الخلق
قال تعالى ينبّه إلى ظاهرة الليل والنهار : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٧٣) (القصص) ، وقال : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (١١) (النبأ) ، وهذه جميعها آيات تثبتها المشاهدة ، غير أنه فى الآية : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) (٥٤) (الأعراف) يلفت الانتباه إلى معنى جديد غير مشاهد ، كان يحتاج إلى العلم الحديث ، وهذا المعنى يرتبط بمراحل الخلق الأولى دون بقية المراحل ، ويصف الليل والنهار فى هذه المراحل الأولى دون غيرها ، والسبب عبارة «يطلبه حثيثا» ، وتعنى سريعا ، وهذه السرعة تصف حالة تتابع الليل والنهار فى الأزمان الغابرة ، وتصف بالتالى حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ، وأنها كانت حركة سريعة بمعدلات أسرع منها الآن ، واستوجبت لذلك وصفها بلفظة «حثيثا» ، ولو لا أن سرعتها كانت أكبر لما غشى الليل النهار يطلبه حثيثا» وثبت أخيرا من دراسة هياكل الحيوانات وجذوع الأشجار المعمرة ، وما مرّ بها من ظروف معاشية ، وأعمارها ، ومقادير الأزمان فى السنة والشهر واليوم فى الأزمان الغابرة ، أن عدد الأيام فى السنة كان يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة ، ومعنى ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت قديما أسرع منها الآن ، ويتضح بذلك المعنى الرائع والمعجزة الباهرة فى التعبير القرآنى «يطلبه حثيثا» ، وصفا للزمن فى الماضى البعيد عند بداية الخلق ، ولقد اتضح من هذه الدراسات أن عدد أيام السنة فى العصر الكمبرى Cambrian ، أى منذ حوالى ٦٠٠ مليون سنة ، كان ٤٢٥ يوما ، ثم أنه صار ٤١٥ يوما فى منتصف العصر الأوردوفيشى