قوله تعالى «أنزلنا» فيه إعجاز علمى لا شك فيه ، وتؤكد البحوث النووية أن الحديد هو العنصر المستقر الذى تنتهى عنده التفاعلات النووية الاندماجية فى باطن النجوم ، ويعتبر لذلك المكوّن الرئيسى فى رماد النجوم ، ولذا تتكون الشهب والنيازك من الحديد والنيكل. كما أن جوف الأرض يحتوى على الحديد ، وتتكون طبقة اللّب فيها من الحديد والنيكل أساسا ، ولذلك كان لكوكب الأرض مجاله المغنطيسى ، ويمتد تأثيره إلى الفضاء الخارجى. ويتألف كوكب عطارد الأقرب إلى الشمس فى المجموعة الشمسية فى الأغلب من الحديد ، ولذا يطلقون عليه اسم الكوكب الحديدى ... ويمثل الحديد نقطة تحوّل مهمة فى دورة حياة النجوم منذ ولادتها ، وخاصة «النجوم العملاقة» التى يتألف لبّها من الحديد ، ويؤدى انفجارها إلى تكوين ما يسمى «المستسعر الأعظم» أو «السوبر نوفا».
وللحديد منافع كثيرة بكافة الكائنات الحية سواء للنبات أو الحيوان أو الإنسان ، ويدخل فى تركيب مادة الخلية الحية فى النبات والحيوان ، ويتحد بالبروتين ويكون هيموجلوبين الدم ، وهبوط نسبة الحديد فى دم الإنسان يصيبه بالاعتلال بما يسمى فقر الدم ، وهو من أخطر الأمراض. وحتى الآن لم يكتشف العلم عنصرا من العناصر له مثل كل هذه الخصائص الفريدة التى تجعل الحديد ذا بأس شديد ومنافع للناس كما يذكر القرآن ، فتبارك الله ربّ العالمين ، والحمد لله على نعمة القرآن والإسلام.
* * *
١٣٧٩ ـ إتيان السماء والأرض
«الإتيان» فى الآية : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) (فصلت) هو التسخير ، أى قال لهما الله تعالى كونا ـ فكانتا ، كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) (النحل) ،. وفى الآية : «قالتا أتينا طائعين» لم يقل طائعين على اللفظ ، أو طائعات على المعنى ، حيث أن السماء سماوات والأرض أرضون ، وإنما قال «طائعين» بحسب ما فيهما من كل شىء ؛ و «استواؤه إلى السماء» صدوعها للأمر ؛ و «قضاؤه لهن سبع سماوات فى يومين» يعنى أنه أكمل خلقها وفرغ منه ، وأوحى إلى كل سماء أمرها ، وخلق لها خلقها ونجومها وشموسها. ويصدق العلم الحديث الآية ، وكانوا يقولون قديما إن الكون ثابت لا يتغير ، وفى التوراة فى سفر التكوين ـ أن الكون ثابت! وثبت حديثا زيف هذا الزعم ، وأنه كما جاء فى القرآن يتوسّع ويتمدّد ، وتتباعد مجراته بمعدلات تقترب أحيانا من سرعة الضوء المقدّرة بنحو ثلاثمائة ألف كيلومتر فى الثانية ، فإذا عدنا بهذا الاتساع الكونى إلى بدايته مع الزمن ، فلا بد أن تجتمع كل صور المادة والطاقة فى الكون ، وتتكدّس على بعضها البعض فى نقطة تتناهى فى الصغر إلى ما يقرب من الصفر أو العدم ، وتنكمش فى هذه النقطة أبعاد المكان والزمان ، حتى تتلاشى