قبل وصول الشهاب إلى الأرض بمسافة تتراوح من ٧٠ إلى ١٠٠ كيلومتر ، فيحدث فى الغلاف الجوى كما «الثقب». والشهاب الواحد يتألف من عدد من هذه الجسيمات الصلبة ، وخلال الأربع والعشرين ساعة التى تصنع اليوم ، يمكن رصد نحو ٢٥ مليون شهاب فى جميع الكرة الأرضة ، وكأنها بوصف القرآن «أرصاد ،» والواحد الرّصد ، يقال (شِهاباً رَصَداً) (٩) (الجن) ، يرصدها ، أى يرقب السماء ويحرسها أن تدنو منها الشياطين والجن ، فإذا فعلت أحرقها ، وتكون الشهب فى مجموعات كبيرة تسمى «رخّات الشهب Meteor» showers ، ومنها المئات فى الدقيقة الواحدة ، وتحدث إذا مرت أجسام غريبة بالقرب من الشمس أو أعماق الفضاء الكونى أو عند مرور المذنبات ، وتطلق هذه المذنبات الآلاف من الجسيمات الصلبة الصغيرة التى تنفصل عنها وتتناثر محدثة تلك الرخّات عند اختراقها للغلاف الجوى أثناء مرور الأرض فى مسار المذنب ، وكأن «السماء المحروسة» فى سورة الجن هى السماء الدنيا.
* * *
١٣٧٨ ـ الحديد فيه بأس شديد
فى قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٥) (الحديد) فعند ما لا يتبع الناس الرسل فيما أخبروا به عن ربّهم ، ولا يطيعون فيما أمروا به ، فإن فى الحديد رادع لمن يأبى الحق ويعانده بعد قيام الحجة عليه ، ولهذا ظل الرسول صلىاللهعليهوسلم يدعو الناس بالحسنى فى مكة ثلاث عشرة سنة ، وفى أثنائها كان يناقشهم ويجادلهم ، ويبيّن لهم ، وينبّه إلى الأدلة ، ويسوق البراهين ، حتى قامت الحجة على المخالفين ، ثم شرع القتال لمن ينتصر بعد ظلم ، والقتال أداته الحديد ، وبأسه أن السيوف والحراب والسنان وغيرها تصنع منه ، ومنافعه كثيرة بخلاف القتال ، فمنه تصنع الآلات والعدد التى يستعان بها فى كل مناحى الحياة وأنواع النشاط الإنسانى ، فى الزراعة والصناعة والصيد ، وفى البر والبحر والجو. والجهاد مشروع فى الحرب والسلم ، والجهاد يكون ببذل النفس ، أو مجاهدة الهوى ، أو السعى للرزق ، ولذا قال الله تعالى «إن الله قوى عزيز» ، يعنى يؤتى القوة رسله وعمّاله فى الأرض ، ويعزّهم بكتبه كما يعزّهم بالحديد ، يريد به جنسه من المعادن ، «والقوة» فى رسالات الرسل هى قوة القيم ، وفى «الحديد» هى قوة الآلة. وللحديد خواصه المتعددة ، فى مقاومة الصدأ والبلى. ولأن الأرض قد تكونت فى البدء بانفصالها عن الشمس ، والحديد أحد العناصر الموجودة فى الشمس بوفرة ، فإن