أيضا أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم حضر أصحابه يتذاكرون الساعة فقال : «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات» ، فذكر : الدخان ؛ والدجّال ؛ والدّابة ؛ وطلوع الشمس من مغربها ؛ ونزول عيسى بن مريم ؛ ويأجوج ومأجوج ؛ وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ؛ وآخر ـ ذلك نار تخرج من اليمن فتطرد الناس إلى محشرهم. وهذه أقل من عشر آيات! وكلها رجم بالغيب ، والنبىّ صلىاللهعليهوسلم لا يعلم الغيب ، والحديث يعارض حديثا آخر لأنس ، فيه : «أن أول أشراط الساعة نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب» ، وفى هذا الحديث أن النار هى آخر الأشراط. وحديث آخر لابن مسعود ، يقول : «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس» وفى رواية «حثالة الناس». وحديث لحذيفة بن اليمان يقول : «ويبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير ، والعجوز ، يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة «لا إله إلا الله فنحن نقولها». وكل هذه الأحاديث مستشكلة لأنها تنفى بعضها البعض وتعارض القرآن! والغالب أنها من الإسرائيليات يقينا!
* * *
١٣٠٧ ـ يوم التغابن هو يوم القيامة
سمّى كذلك للآية : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) (٩) (التغابن) ، وهو اليوم الذى يغبن فيه أهل الجنة أهل النار ، أى أن أهل الجنة يأخذون الجنة ، وأهل النار يأخذون النار على طريق المبادلة ، فيقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر ، والجيد بالرديء ، والنعيم بالعذاب ، يقال : غبنت فلانا ، إذا بايعته أو شاريته ، فكان النقص عليه والغلبة لى. وكذا أهل الجنة وأهل النار. وغبن المؤمن بتقصيره فى الإيمان ، وكذا الكافر ، غبنه بترك الإيمان. ومن ارتفعت منزلته فى الجنة فقد غبن من كان دون منزلته. وتمثيل الغبن بالشراء والبيع فى قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٦) (البقرة) ، فلما ذكر أن الكفّار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا فى تجارتهم بل خسروا ، ذكر أيضا أنهم غبنوا ، ومع ذلك فإن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا ، واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة. والله تعالى خلق فريقا للجنة وفريقا للنار ، ومنازل كلّ موضوعة فى الجنة والنار ، وقد يسبق الخذلان على العبد فيكون من أهل النار ، فيحصل الموفّق على منزل المخذول فى الجنة ، ويحصل المخذول على منزل الموفق فى النار ، فكأنه وقع التبادل فحصل التغابن. وقد يقع التغابن فى غير ذلك ، والمراد فى الآية التغابن الذى لا جبران لنهايته. ومن أمثلة التغابن فى الدنيا : الرجل يعلم العلم ، فيعلّمه للناس ليعملوا به ويضيّعه هو ولا يعمل به ، فيشقى به ويعمل به من تعلّمه ؛ والرجل يكسب المال ويشحّ عليه ، وبسببه يفرّط فى طاعة ربّه ، ولا يعمل بماله خيرا ، ويتركه للورثة فيعملون به الطيب ، فكسبوا وخسر هو ؛ والرجل له الزوجة يتعسّف لها النفقة من الحلال والحرام ، وتأكله الزوجة حلالا ، فيدخل النار وتدخل هى الجنة!