التربية ، وانهار التعليم. ومفاده أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور : بحيث يصير الولد كأنه الأب ، والبنت كأنها الأم ، بينما الأب والأم لا حول لهما ولا طول ، ويعملان للأولاد كالأجراء لتحصيل المال لهم ، ففي مثل أحوال مقلوبة كهذه ، أن يصبح السافل عاليا ، والعالى سافلا ، والجاهل يصير ملكا ورئيسا للدولة ، بينما العلماء مغمورون. وقوله «البهم» يعنى لا أحد يعرف عن أنساب هؤلاء الذين يتولون الحكم فى بلادنا شيئا ، فلا أصل لهم ولا فصل ، فكأنهم حفاة عراة ، حفوا عن كل علم ، وتعرّوا عن كل فضيلة ، فكانوا طغاة مستبدين ، جمعوا كل مقاليد الحكم فى أيديهم ، والثروة فى خزائنهم. والحديث إشارة إلى أنه فى أوقات التردّى يتحكم قلة فى رءوس الأموال ، ويملكون البلاد ، قهرا واحتيالا ، فينسون القوانين ، لأن من يملك هو الذى يحكم ، فإذا حكموا احتكروا لأنفسهم ولأولادهم وأنسبائهم وأصهارهم كل شىء ، فتكثر أموالهم ، وتنصرف همّتهم إلى بناء الفيلات ، وإنشاء العمارات والمدن والمصايف والمشاتى ، للهوهم وراحتهم ، وليتفاخروا بها. ومن ذلك الحديث الآخر : «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع» ، ونحن نشهد ذلك فى بلادنا هذه الأزمان ، فمن يكون هذا أو ذاك ممن نسمع عنهم؟ ومع كل ذلك هل كان بوسع النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يعرف أشراطها أو علاماتها؟ فمن يعرف الأشراط والعلامات بوسعه أن يعرف التوقيت ، وما كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يعرف أيهما : الأشراط والتوقيت! وقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) (القمر) ، أنه حين تحين الساعة ينشق القمر ، وفى آية أخرى تكوّر الشمس : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) (التكوير) ، يعنى ينهدم صرح العالم ، ولكل إنسان ساعته ، كقوله تعالى : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠) (سبأ) ، والميعاد الميقات ، مثله مثل الأجل ، كقوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣٤) (الأعراف) ، فمثل ما الأجل علمه عند الله ، فكذلك الساعة علمها عنده تعالى. والساعة مدة من الوقت ، كقوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) (٤٥) (يونس) ، استقصروا طول مقامهم فى القبور لهول ما يرون من البعث ، ومثل ذلك قولهم : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (١١٣) (المؤمنون).
* * *
١٣٠٥ ـ الساعة علمها عند الله وتأتى بغتة
سأل اليهود النبىّ صلىاللهعليهوسلم عن الساعة ، وسأله المشركون لفرط الإنكار : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا