الموت موتتان والحياة حياتان ، واختلفوا فى ترتيب هاتين الموتتين والحياتين ، وكم من موتة وحياة للإنسان؟ فقالوا كان الناس معدومين قبل أن يخلقوا فأحياهم ـ أى خلقهم ، ثم يميتهم عند انقضاء آجالهم ، ثم يحييهم يوم القيامة. وقيل : كان الناس أمواتا فى ظهر آدم ، ثم أخرجهم من ظهره كالذّر ، ثم يميتهم موتة الدنيا ، ثم يبعثهم. وقيل : كان الناس أمواتا ـ أى نطفا فى أصلاب الرجال وأرحام النساء ـ ثم نقلهم من الأرحام فأحياهم ، ثم يميتهم بعد هذه الحياة ، ثم يحييهم فى القبر للمسألة ، ثم يميتهم فى القبر ، ثم يحييهم حياة النشر إلى الحشر ، وهى الحياة التى ليس بعدها موت.
فكأنها بحسب هذه التأويلات ثلاث موتات ، وثلاث إحياءات. وكونهم موتى فى ظهر آدم ، وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم ثم موتهم ، غير كونهم نطفا فى أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فعلى هذ تكون موتاتهم أربع موتات ، وتكون إحياءاتهم أربع إحياءات. وقيل المعنى خلاف ذلك تماما : وكنتم أمواتا بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم وشرّفتهم بهذا الدين وبالنبىّ الذى جاءكم ، ثم يميتكم فيموت ذكركم ، ثم يحييكم للبعث. والقول الأول هو المراد بالآية.
* * *
١٢٨٣ ـ الموت حتم
قال الشاعر :
ومن لم يمت عبطة يمت هرما |
|
للموت كأس والمرء ذائقها |
وقال آخر :
الموت باب وكل الناس داخله |
|
فليت شعرى بعد الباب ما الدار |
فالموت حتم ، كقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران ١٨٥) ، ولكن الموت يكون بأجل ، كقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) (آل عمران ١٤٥) ، والآجال مجهولة ، كقوله : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (لقمان ٣٤). وللموت أسباب وأمارات ، وفى الحديث : «المؤمن يموت بعرق الجبين» أخرجه النسائى ، يعنى الموت غالبا عسر ، والمسلم إذا احتضر وجب أن يلقّن الشهادة ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله» أخرجه مسلم ، فيختم له بها ، فإذا قضى ارتفعت عنه العبادات ، وزال التكليف ، وتوجّبت على الأحياء أحكام ، منها تغميض العينين ، وإعلام إخوانه الصلحاء بموته ، والأخذ فى تجهيزه بالغسل والدفن لئلا يسرع إليه التغيير. وفى الحديث : «عجّلوا بدفن جيفتكم» ، و «أسرعوا بالجنازة». والغسل سنة حاشا الشهيد ، وقيل : غسل الشهيد واجب ، وفى الحديث «اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك» ، ولا يجاوز الغسل السبع غسلات ، فإن خرج منه شىء بعد ، يغسل موضعه وحده. والتكفين واجب على أهله ، أو على جماعة