الترمذى ، والحديث : «إن لله عزوجل عبادا يعرفون الناس بالتوسّم» ، وهم إذن الناظرون المتفكّرون ، والواسم : هو الذى ينظر إليك من فرقك إلى قدمك. وأصل التوسّم : هو التثبّت والتفكّر. والوسم فى الأصل التأثير بحديدة تصنع علامة فى الخيل أو البقر أو البعير تدل على صاحبها. والمتوسّم لا يكون كذلك إلا بجودة قريحته ، وحدّة خاطره ، وصفاء فكره ، وتفريغ قلبه من حشد الهموم ، وتطهير نفسه من أدناس المعاصى ، وكدورة الأخلاق ، وفضول الدنيا. والمتوسمون : هم أهل الخير والصلاح. والتوسّم : عند الصوفية كرامة ، وعند أهل النظر استدلال بالعلامات ، ومنها ما يكون ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة ، ومنها ما يخفى فلا يبدو إلا بتمعّن وتفحّص وتفكّر وتأمّل ، ولا يدرك ببادئ النظر. وأهل التوسّم إذا توسّموا قصة لوط ، وآثار سدوم وعامورة ، يعلمون أن الذى أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك غيرهم إذا ارتكبوا معاصى كمعاصيهم. وفى الخبر أن أنس بن مالك دخل على عثمان بن عفان ، وكان أنس قد مرّ بالسوق فنظر إلى امرأة ، فلما نظر إلى عثمان قال له عثمان : يدخل أحدكم علىّ وفى عينيه أثر الزنا! فقال أنس : أوحيا بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال عثمان : لا ، ولكن برهان وفراسة وصدق! وفى علم النفس : التوسّم والتفرّس من مدارك المعانى ؛ وفى المنطق لا يعتبر بالتفرّس ولا بالتوسّم حكم ، وإنما اعتباره فى التحليل النفسى ، وفى القانون والشرع لا يؤخذ به موسوم ولا متفرّس ، فمدارك الأحكام معلومة قانونا وشرعا ومدركة قطعا ، وليس التوسم ولا الفراسة منها.
* * *
١٢٦١ ـ المجوس فرقة غنوصية
المجوس Magi ، واحدهم مجوسى Magus ، فارسية وتعنى كاهنا. والغربيون أخذوا الاصطلاح عن الإغريقيةMagos. وكان المجوس خدمة دين زرادشت ، وهم رهبان ؛ وفى ملّتهم : أن الوجود له أصلان : النور «يزدان» ، والظلام «أهرمن» ، والأول مبدأ الخير ، والثانى مبدأ الشرّ ؛ والنار عندهم عنصر شريف علوى يطهّر من الأدران والشرور ، فكانوا لذلك لا يطفئون النار ، ويوقدونها باستمرار ، وجعلوا الصلاة إليها من طقوسهم ، فقيل فيهم إنهم «عبدة النار» ، فالعناصر عندهم أربعة : الماء ، والتراب ، والهواء ، والنار ، وأشرفها النار ، وكان إبليس من النار بينما الملائكة من النور ، فكان ـ كما قيل ـ أشرف منهم. وكنائس المجوس أو معابدهم تسمى «بيوت النار» ، ومع تقديسهم للنار فإنهم لم يكونوا يحرقون الموتى ، وإنما يضعونهم فوق أسطح البيوت فتأكل لحومهم الغربان والطير والهوام. والمجوس علماء فارس وحكماؤها وفلاسفتها ، واشتهروا بالتنجيم وقراءة الطوالع. وفى