والتقوى فيها كل الخير ، وهى وصية الله فى الأولين والآخرين ، وخير ما يستفيده الإنسان ، كما يقول أبو الدرداء :
يريد المرء أن يؤتى مناه |
|
ويأبى الله إلا ما أرادا |
يقول المرء فائدتى ومالى |
|
وتقوى الله أفضل ما استفادا |
والأصل فى التقوى وقوى ، على وزن فعلى ، فقلبت الواو تاء من وقيته أقيه ، أى منعته ، ورجل تقىّ يعنى يخاف ، وأصله وقى ، وكذلك تقاة كانت فى الأصل وقاة ، كما قالوا تجاه وتراث ، والأصل وجاه ووراث.
والمتّقون فى التعريف : هم أولياء الله (الأنفال ٣٤) ، وليّهم الله (الجاثية ١٩) ، يحبّهم (التوبة ٧) ، وهو معهم (التوبة ٣٦) ، يصدّقون الله (البقرة ١٧٧) ، ويوفون بعهده (آل عمران ٧٦) ، ويجاهدون فى سبيله بأموالهم وأنفسهم (التوبة ٤٤) ، ويؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة وينفقون مما يرزقون ، ويؤمنون بما أنزل على النبيين ، ويوقنون بالآخرة (البقرة ٢ / ٥) ، ويؤمنون بالملائكة ، ويصبرون فى البأساء والضراء وحين البأس ، ويؤتون المال على حبّهم ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين (البقرة ١٧٧) ، وعدهم ربّهم دار الآخرة ولنعم دار المتقين (النحل ٣٠) ، وهم فيها فى جنات ونعيم (الطور ١٧) ، فى ظلال وعيون (المرسلات ٤١) ، ومقامهم فيها المقام الأمين (الدخان ٥١) ، لهم العاقبة (هود ٤٩) ، وحسن المآب (ص ٤٩) ، وإمامهم إبراهيم (الفرقان ٧٤) ؛ والمقابل لهم : الفجّار ، من الفجور : وهو ركوب المعاصى ، وارتكاب المفاسد ، والميل عن الحق ؛ والفاجر : المنقاد للمعاصى ، والجمع فجرة وفجّار.
* * *
١٢٦٠ ـ المتوسّمون هم المعتبرون
من وسم : أى جعل له علامة ، وتوسّم الشيء تفرّسه وطلب وسمه ، أى علامته يستدل بها على مطلوب غيرها. والمتوسّمون تأتى مرة واحدة فى القرآن ، فى قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (الحجر ٧٥) ، فقد أنزل الله العذاب بقوم لوط فأخذتهم الصيحة مشرقين ـ أى وقت الشروق ، فجعلت عاليهم سافلهم ، وأمطرت عليهم حجارة من سجّيل ـ أى من جهنم ، وفى ذلك آيات لمن يعتبر ، وعلامات يقرأها المتفرّس المتأمل فيتّعظ ، فما زالت آثار ذلك اليوم ظاهرة فى سدوم وعامورة بفلسطين ، وإنها لبسبيل مقيم يمر به العابرون فينظرون بالبصر والبصيرة. فالمتفرّسون صنف من المؤمنين يتّسمون بالفراسة ، وفيهم الحديث : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» أخرجه